" معك لا مكان للخوف" قصة رائعة جدا

الموضوع في 'الروايات والقصص' بواسطة ليليان, بتاريخ ‏26 نوفمبر 2008.

[ مشاركة هذه الصفحة ]

  1. السلام عليكم
    اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين
    اليوم جبتلكم قصة من تأليفي ان شاء الله تعجبكم، صحيح انو العنوان شوي مبالغ فيه وكأنو عنوان مسلسل مكسيكي والله شاب شعري وما لقيت لها عنوان أكيد لما تقروها كلها راح تقترحوا علي عنوان.
    يلا اتفضلوا:
    عنوان القصة: معك لا مكان للخوف​


    وقفت ألما تتأمل الشارع من نافذة غرفتها لدقائق معدودة وكأنها تنتظر أحدا ما وفجأة جذبت جسدها واختبأت خلف الستارة و أبقت عينيها على الشارع تختلس النظر خفية، بقيت كذلك إلى أن اهتز جسدها من الفزع حين وضعت والدتها يدها على كتفها قائلة:
    - ألما لست مضطرة لمراقبتهما... إن شئت سأخبر والديهما حتى يمنعانهما من الحضور.
    بان الغضب على وجه ألما دفعت الستارة بقوة واتجهت إلى سريرها جلست وقالت:
    - لا دعيهما لست مهتمة بما تفعلانه.
    اقتربت والدة ألما من النافذة جذبت الستارة ونظرت إلى الشارع كانت فرح ورغد تقفان هناك تنظران إليها رفعت يدها وحيتهما مبتسمة فبادلاها نفس التحية ثم غادرتا، التفت إلى ألما وقالت:
    - حسنا لقد غادرتا.
    لم تعلق ألما بكلمة في حين همت والدتها بمغادرة الغرفة وهي تقول:
    - حسنا سأذهب إلى العمل والدك ينتظرني.
    حين خرجت والدتها من الغرفة غرست ألما وجهها في الوسادة وأخذت تبكي بشدة...
    كانت ألما تتمنى لو يبقى والداها معها يرعيانها ويهتمان بها خاصة بعد الذي حدث معها ولكنهما كانا مشغولين بعملهما فوالدها يملك شركة ضخمة للبناء ووالدتها تعمل معه وهما يخرجان في الصباح الباكر ولا يعودان إلى البيت إلا في وقت متأخر من المساء، في أثناء ذلك كانت ألما تشعر دوما بالوحدة والخوف بالرغم من أن والديها جعلا لها خادمة ومدرسة وحراس إلا أن ذلك لم يشعرها بالسعادة، شخص واحد فقط استطاع أن يرسم البسمة على شفتيها بعد كل دمعة...
    فجأة سمعت ألما أزيز سيارة رمت الوسادة بعيدا واتجهت مسرعة إلى النافذة أطلت منها إلى الشارع فارتسمت علامات الفرح جليا على وجهها، نظرت إلى المرآة مسحت دموعها وعدلت من هيئتها وخرجت من الغرفة مسرعة...
    نزلت إلى الطابق السفلي وفتحت باب البيت ووقفت على عتبته لا تتعداها وهي تتأمل الحديقة، بعد دقائق دخل شاب يبدو في الثلاثين من عمره حين رآها ابتسم وسار في الممر الذي يؤدي إلى البيت ولكن فجأة توقف الشاب عن السير هو يمسك بقوة على صدره وانهار على ركبتيه، حين رأته ألما على ذلك الحال أخذت تصرخ:
    - إياد إياد ما بك ماذا أصابك؟
    لم يرد إياد عليها مما زاد من اضطرابها وصراخها ولكنها رغم ذلك لم تتحرك ولم تهب لمساعدته، بدأت في البكاء والعويل وهي تصرخ مرة ثانية وثالثة ورابعة:
    - إياد ما بك؟ ساعدونا سيموت!
    في هذه اللحظة وقف الشاب فجأة على قدميه وهو يبتسم وكأن شيئا لم يكن، نظرت إليه ألما في اندهاش ثم دخلت البيت وصفعت الباب بقوة تبعها الشاب مسرعا دخل البيت واخذ يجول في أنحائه وهو ينادي:
    - ألما أين أنت؟ لا تغضبي عزيزتي كنت امزح فقط...
    حين لم يجدها صعد الدرج دق على باب أول غرفة على اليمين:
    - ألما هل أستطيع الدخول؟
    صرخت بعنف:
    - لا.
    - أرجوك سامحيني لن أعيدها.
    فتح الباب ببطء ودخل، كانت ألما نائمة على السرير وقد غطت كل جسدها ورأسها، جلس بجوارها وقال معتذرا:
    - سامحيني أميرتي الصغيرة كنت امزح معك...
    انتفضت ودفعت الغطاء بعيدا عنها اعتدلت جالسة على السرير وهمت بالحديث... حين نظرت إليه كان الغطاء قد وقع على رأسه فغطاه ضحكت من منظره... جذبت الغطاء نحوها فبان وجهه كان أبيض الوجه بعينين سوداوين وشعر مجعد أسود، صاح:
    - لقد أفسدت شعري أيتها الشريرة لقد أمضيت نصف ساعة في إصلاحه.
    ضحكت بأعلى صوتها قائلة:
    - ها هي المرآة أسرع لإصلاحه ستأتي أميرتك الكبيرة بعد لحظات.
    ضحك وقال:
    - أنا ليس لدي سوى أميرة واحدة هي أنتي.
    قالت:
    - لو كنت حقا أميرتك ما كنت أخفتني وأبكيتني!
    بان الحزن في وجه إياد حين قال:
    - آسف ألما كنت أحاول...
    سكت وحين لاحظت سكوته قالت ويداها تداعبان طرف الغطاء:
    - اشعر بضيق في التنفس وخفقان في القلب والإغماء إن أنا خرجت من البيت... لا أستطيع أنا لا أستطيع التخلص من ذلك الخوف فهو يتملكني كلما فكرت في الخروج.
    قبل ستة أشهر تعرضت ألما للاختطاف من طرف مجهولين طالبوا والديها بفدية وهددوا بقتلها إن لم يحصلوا على المال، لكن والدها رفض وابلغ رجال الشرطة الذين بادروا على الفور في البحث عنها، بقيت ألما لدى الخاطفين قرابة شهر كامل وفي الأخير عثر عليها رجال الشرطة وتمكنوا من تحريرها بعد أن شهدت بعينيها مقتل أحد الخاطفين على يد رجال الشرطة، ومن يومها لم تستطع ألما نسيان ما حدث وتدرجيا تطور الأمر إلى مرض نفسي حيث لم تعد تخرج من البيت على الإطلاق.
    حين لاحظ إياد أن الحزن قد خيم على حوارهما قال بحماس وقد وضع يده في جيبه:
    - لقد أحضرت هدية جميلة للأميرة هل يمكن أن تعرفي ما هي؟
    بان الحماس عليها هي الأخرى قالت:
    - هيا ارني حتى أسامحك على فعلتك.
    اخرج يده من جيبه وفتحها قائلا:
    - انظري؟
    كان جهازا على شكل هاتف محمول صغير جدا موصول بسماعة أذن، نظرت إليه ألما في استغراب وسألت:
    - ما هذا؟
    أجاب:
    - هذا جهاز إرسال انظري...
    علق إياد الجهاز على قميص ألما ووضع السماعة في أذنها، قالت:
    - وماذا بعد؟
    صاح:
    - انتظري قليلا فتاة لجوج.
    اخرج من جيبه جهازا آخر وعلقه على قميصه ووضع السماعة في أذنه، قال:
    - حسنا اضغطي على الزر الأخضر، أتسمعين صوتي؟
    قالت:
    اجل أنا أسمعك.
    قال:
    - جيد، من الآن وصاعدا ستتصلين بي بأي وقت حتى عندما أكون في بيتي.
    قالت وقد علت الفرحة محياها:
    - صحيح! كيف ذلك؟
    قال:
    - انظري حين تضغطين على الزر الأخضر في جهازك سيضيء الزر الأخضر في جهازي وحين اضغط عليه ستسمعين صوتي أينما كنت.
    سألت في استغراب:
    - وهذا الزر الأحمر ماذا يفعل؟
    أجاب:
    - هذا الزر حين تضغطين عليه تنتهي المكالمة.
    نهض إياد من مكانه وهو يقول:
    - حسنا سنجرب الجهاز ابقي هنا وسأنزل إلى أسفل.
    حين كان يهم بالمغادرة سألها:
    - هل تناولتني فطورك؟
    هزت رأسها بالنفي، فقال:
    - حسنا سأعد لك شيئا قبل أن تأتي المدرسة.
    خرج إياد من الغرفة واتجه إلى المطبخ بينما كان يعد الطعام اخذ جهازه يضيء فضغط على الزر الأخضر وقال:
    - ألما هل تسمعينني؟
    - اجل أسمعك.
    - جيد.
    سمع صوت ضحكتها يتردد في السماعة سألها باستغراب عن سبب ضحكها، فأجابت:
    - هكذا لن تتخلص مني مهما ابتعدت.
    ضحك هو الآخر وقال:
    - لا بأس سأتحملك فليس لي سوى أميرة واحدة.
    قالت:
    - أحقا هذا؟
    حمل صينية وقد وضع فيها بعضا من الطعام وكوبا من الحليب وهم بالخروج من المطبخ وهو يحدثها قائلا:
    - أنت أميرتي الطيبة، والذكية، والجميلة والوحيدة.
    ما إن رفع رأسه حتى لمحها واقفة ووجها بوجهه كانت فتاة شابة تكاد تعادله في الطول بشعرها البني الذي يشبه لون عينيها، ابتسمت الشابة في خجل وقالت:
    - شكر على كلامك الجميل.
    احمر إياد خجلا قال:
    - آنسة يمنى! آسف أنا كنت اقصد ألما.
    وأشار إلى الجهاز المعلق في قميصه، في أثناء ذلك تعالت ضحكات ألما في أذن إياد فصاح فيها:
    - توقفي يا فتاة.
    تبخرت تلك الابتسامة من وجه يمنى استدارت وحين همت بالخروج من المطبخ قالت بغضب:
    - أطلب من ألما النزول حان وقت الدرس.
    خرجت من المطبخ فتبعها وهو يحمل صينية الطعام دخلا غرفة الجلوس فوضع صينية الطعام على الطاولة وطلب من ألما النزول...
    بعد دقائق دخلت ألما وهي تحمل كتبها وكراساتها، ابتسمت حين رأت مدرستها يمنى حيتها قائلة:
    - صباح الخير آنسة يمنى كيف حالك؟
    أجابت باقتضاب:
    - بخير.
    قاطعهما إياد قائلا مخاطبا ألما:
    - حسنا تناولي فطورك.
    لم تتمالك ألما نفسها حين نظرت إلى إياد فانفجرت ضاحكة، فلم يكن منه إلا أن اعتذر وخرج من الغرفة.


    يتبع
     
  2. جاري تحميل الصفحة...

    مواضيع مشابهة في منتدى التاريخ
    في كل مكان وحتى بالحمام خالها معاها الروايات والقصص ‏3 ابريل 2010
    كان يامكان خطيره الروايات والقصص ‏10 أكتوبر 2009

  3. جلست ألما تتناول طعام الفطور ومدرستها يمنى تراقبها باهتمام، فجأة رفعت ألما رأسها وسألتها قائلة:
    - آنسة يمنى كم عمرك؟
    أجابت:
    - بلغت الخامسة والعشرون.
    هزت ألما رأسها قائلة:
    - جيد، أنا بلغت الثالثة عشرة.
    سألتها ثانية:
    - هل لديك خطيب؟
    أجابت:
    - لا.
    - جيد، أنا أيضا.
    ضحكت يمنى من كلامها.
    في هذه الأثناء كان إياد يستمع إلى حديثهما من خلال جهاز الإرسال وهو يجول في أرجاء البيت يتفقد أجهزة المراقبة، فجأة فتح الباب الخارجي ودخلت سيدة تبدو عليها علامات التقدم في السن، حين رآها إياد حياها قائلا:
    - صباح الخير خالة مريم.
    أسندت يدها على الجدار وهي تتنفس بصعوبة سكت لحظات ثم سألت في قلق:
    - اخبرني هل غادرت السيدة؟
    أجاب:
    - اجل غادرت منذ زمن.
    قالت:
    - يا الهي ستوبخني عندما تعود في المساء.
    هرعت مريم إلى المطبخ وهي ضرب كفا بكف.
    نظرت يمنى إلى ألما في غضب وقد سمعت حوار إياد مع الخادمة مريم يتردد من جهاز الإرسال، وقفت واتجهت نحوها انتزعته من قميصها وسحبت السماعة من أذنها وقالت بصوت مرتفع:
    - من العيب التجسس على أحاديث الآخرين.
    طأطأت ألما رأسها خجلا في حين ضحك إياد من كلامها وفجأة انقطع الصوت فقد أقفلت يمنى الجهاز ووضعته جانبا، قالت لألما:
    - حسنا حان وقت الدرس.
    ***************************
    كان الوقت ظهرا حين أنهت ألما دروسها تناولت طعام الغداء مع إياد ويمنى ثم خلدت إلى النوم...
    فتح إياد باب الغرفة كانت ألما في سريرها تغط في نوم عميق أغلق الباب ببطء ونزل إلى الطابق السفلي، حين دخل غرفة الجلوس كانت يمنى جالسة هناك قال:
    - لقد نامت بسرعة يبدو أن الدواء الذي تتناوله ذو مفعول قوي.
    تساءلت وقد بدا عليها الحزن:
    - ألا توجد طريقة أخرى لعلاجها غير هذه الأدوية؟
    أجاب:
    - يقول طبيبها أنها تعرضت لصدمة قوية جعلتها تشعر بالخوف من كل ما يحيط بها، وهذا الدواء يساعد على تهدئتها.
    سكت برهة ثم قال:
    - الأمر متعلق بألما فهي الوحيدة التي تستطيع مساعدة نفسها للتغلب على خوفها ولكنها للأسف...
    قالت وهي تبتسم:
    - ولكن والدها يقول بأنها أصبحت أفضل منذ مجيئك!
    قال وقد بدا عليه الخجل:
    - أظن ذلك.
    سألت يمنى:
    - منذ متى وأنت تعمل هنا؟
    أجاب:
    - بعد الحادث الذي وقع لألما طلب مني والدها أن أصبح حارسها الشخصي فوافقت.
    - إذن فقد كنتما تعرفان بعضكما البعض؟
    ضحك وقال:
    - طبعا فأنا اعمل في شركته منذ وقت طويل ثم إن السيد عادل ووالدي كانا صديقين، لذلك وثق بي وسلمني مسؤولية حراسة ألما والبيت وأنتي أيضا.
    صاحت:
    - أنا!
    قال:
    - أجل أنتي.سكت برهة ثم قال:
    - اسمعي آنسة يمنى السيد عادل شخص ثري جدا والكثير من الناس يطمع في الحصول على المال حتى وإن كان ذلك باستغلال طفلة بريئة كألما، لذلك وبعد الذي حدث لابنته لم يعد السيد عادل يثق بأحد.
    قالت يمنى بحزن:
    - أنا لا يمكن أن أؤذي ألما من أجل حفنة من المال اطمئن.
    قال معتذرا:
    - آسف آنستي ولكنها الأوامر.
    مضى الوقت سريعا نظر إياد إلى الساعة وقال:
    - لقد انتهى الدوام سيعود السيد عادل وزوجته الآن.
    نظرت يمنى هي الأخرى إلى الساعة وقالت:
    - أجل أنت محق.
    نهضت قائلة:
    - سأجمع أشيائي.
    بينما كانت يمنى تجمع أشيائها سمعت صوت الباب الخارجي وهو يفتح نظرت إلى إياد مبتسمة وقالت:
    - دقيقان في مواعيدهما.
    فجأة جاء صوت ألما يقول:
    - هل ستغادران؟؟
    كانت تقف في أعلى الدرج بملابس النوم وشعرها المنسدل في غير انتظام، قال إياد:
    - أجل أمبرتي الصغيرة.
    حين لاحظ إياد ملامح الحزن قد بدت في وجه ألما تقدم ووقف عند أسفل الدرج وأشار إلى الجهاز المعلق في قميصه قائلا:
    - لا تنس.
    ابتسمت وقالت:
    - اجل لن أنسى.
    في أثناء ذلك دخل السيد عادل وزوجته جودي حيا إياد ويمنى فردا التحية وغادرا على الفور، وضع الوالدان أغراضهما في غرفة الجلوس وصعدا الدرج كانت ألما تقف هناك قبلاها واتجها إلى غرفتهما... ومرة أخرى وجدت ألما نفسها وحيدة فعادت إلى غرفتها. كم هو جميل أن نجد من يقاسمنا تفاصيل حياتنا حلوها ومرها... ضحكاتها ودموعها، أشخاص يبقون دائما ولا يرحلون وان رحلوا بالتأكيد غدا سيعودون لأنهم أبدا لا يتخلون عنا مهما حصل.


    يتبع
     
  4. القصة مشوقة شكرا
    وانتظر المتابعة
     
  5. قصهـ روعـهـ

    يعطيكـ العافيهـ وياليت تكمليها بأسرع وقت

    ملاحظهـ : اعتقد انها في القسم الخطأ

    دمتي بحفظ الرحمن
     
  6. مــآشــآء اللــه عليـكـ آبــدآع
    قصــه ولآ آروع

    ننتــظـر آلبقيــه
     
  7. بعد أن أوصل إياد يمنى إلى بيتها اتجه إلى شقته... ركن السيارة في الموقف نزل منها وتوجه نحو مدخل المبنى كان الظلام قد حل والمكان شبه خال من المارة، بينما هو يمشي أحس بان أحدا ما يتبعه أسرع في الخطى وحين وصل مدخل المبنى التفت فجأة لكنه لم يلمح أحدا، صعد الدرج ودخل شقته اتجه مباشرة إلى نافذة غرفة الجلوس اخذ يراقب أي حركة في الشارع ولكنه لم يلحظ شيئا فجأة أنير ضوء الغرفة، استدار إياد وصاح:
    - سامي!! ماذا تفعل هنا؟
    كان الفتى يقف لدى الباب وهو يحك عينيه... كان يبدو في سن ألما أو اكبر يشبهه إياد لحد كبير، ضحك وقال:
    - أنا اسكن معك هنا أنسيت!
    ضحك إياد من كلامه ترك النافذة واتجه نحوه مرر يده على شعره قائلا:
    - طبعا لم انس شقيقي المدلل.
    -لا لست مدللا.
    - مدلل.
    - كلا لست كذلك.
    - مدلل.
    سار إياد وشقيقه سامي يلحق به وهما بأخذ ورد، دخلا المطبخ، سأله سامي:
    - هل أحضرت العشاء؟؟
    أجاب إياد:
    - كلا.
    صاح سامي:
    - يا الهي أنا جائع جدا.
    فتح إياد الثلاجة قائلا:
    - حسنا سأحضر لك شيئا.
    قبل عشر سنوات كان إياد يعيش مع والديه وشقيقه سامي وشقيقته همسة في بيت تعمه السعادة والهناء ولكن شاء القدر أن يفقد والديه وشقيقته في حادث سير مؤلم، مذ ذلك الحين تغيرت حياة إياد كليا كانت أيام صعبة فهو لم يكد يبلغ العشرين من العمر وكان شابا طائشا وقتها وفجأة وجد نفسه وحيدا مع سامي الذي كان وقت ذاك في الخامسة من عمره، لم يكن أمامه من خيار غير أن يهتم بنفسه وشقيقه فعمل على تربيته ورعايته فكان له نعم الشقيق والوالد، وبمساعدة السيد عادل والد ألما استطاع إياد إكمال دراسته وبدأ بالعمل في شركته.
    ***************************
    على مائدة العشاء جلس السيد عادل وزوجته وألما يتناولون الطعام بصمت وضعت مريم الطبق الأخير قائلة:
    - حسنا سيدتي هل ينقص شيء؟
    قالت جودي بحدة واضحة:
    - هذه آخر مرة أسمح لك فيها بالتأخر فهمتي؟
    عقد الخوف لسان مريم فالسيدة جودي شديدة جدا معها ولا تسمح بأي خطأ أو تقصير، تدخلت ألما قائلة:
    - هي لم تتأخر فقد حضرت بمجرد خروجك.
    غمزت ألما لمريم التي ابتسمت لها لأنها دافعت عنها، قالت جودي:
    - حسنا اذهبي.
    أما السيد عادل فكان يفكر في شيء آخر فجأة ابتسم في انتصار قائلا:
    - أرايتي عزيزتي أخبرتك بأن المشروع من نصيب شركتنا.
    قالت جودي وقد بدا عليها القلق:
    - أنا خائفة فالسيد أيهم رجل خبيث قد يؤذيك لأنك انتزعت منه المشروع خاصة وان شركته على وشك الإفلاس.
    ضحك عادل قائلا:
    - لا تخاف لن يفعل شيئا، سيتجرع خسارته بصمت.
    فجأة أسقطت ألما ملعقتها التي كانت تآكل بها في الصحن فأحدثت صوتا مزعجا نظر إليها والديها باستغراب، نظرت إليهما بغضب قالت:
    - كفا عن هذا نحن نتناول الطعام، تحدثا عن العمل في مكان العمل.
    نظر عادل إلى زوجته وقال:
    - إنها محقة حسنا لنتناول طعامنا سنتحدث لاحقا.
    بينما كان الثلاثة يتناولون طعامهم في صمت نطقت جودي وكأنها تذكرت شيئا ما:
    - آه تذكرت لقد قمت باستقدام حارسين جديدين لألما سيأتيان غدا.
    قال عادل:
    - وماذا عن إياد؟
    أجابت:
    - إياد مجرد مصمم أنظمة امن وليس حارسا شخصيا.
    هنا انتفضت ألما قائلة:
    - لا إياد سيبقى.
    حين لاحظت والدتها انزعاجها:
    - طبعا سيبقى عزيزتي.
    فجأة نهضت ألما من مكنها وهمت بمغادرة الغرفة حين سألتها والدتها:
    - ما بك ابنتي؟ أكملي طعامك.
    أجابت:
    - لقد شبعت، سأذهب لغرفتي لأدرس.
    قالت جودي:
    - حسنا لا بأس.
    كم هو قاس أن نجد أنفسنا وحيدين فبالرغم من أن الجميع موجود حولنا لكنهم لا ينظرون إلينا، إلى ما نحب وما نكره، ما نريد وما لا نريد، ما يشفينا ويمرضنا، ما يضحكنا ويبكينا...
    دخلت ألما غرفتها ارتمت على سريرها وأخذت تبكي بحرقة فليس لديها غير البكاء لتطفئ به أنفاسها التي تحترق بين مرض حطم حياتها ووالدين لا يهتمان لوجودها لا يسألانها حتى كيف كان يومها من دونهما.
    لكن ما كان يشغل ألما عن كل هذا هو الدراسة فهي تحبها كثيرا وطالما تفوقت فيها فهي كانت دائما الأولى بالمدرسة، لذلك كانت تنسى همومها وأحزانها بمجرد أن تفتح كتبها وكراساتها وتبحر بينها.
    جلست ألما على مكتبها وفتحت كتاب الرياضيات تراجع ما قدمته لها الآنسة يمنى فجأة لمحت جهاز الإرسال الذي أعطاها إياه إياد موضوعا على المكتب، حملته وضعت إصبعها على الزر الأخضر في تردد فجاء صوت إياد من مكبر الصوت يحييها قائلا:
    - مرحبا أميرتي الصغيرة كيف حالك؟
    ضحكت قائلة:
    - بخير وأنت؟
    أجاب:
    - أنا جائع.
    ضحكت بصوت أعلى، قال مدعيا الغضب:
    - أيتها الشريرة أتضحكين؟
    قالت:
    - لو تزوجت لوجدت من يطبخ لك.
    قال:
    - صحيح! حسنا لما لا تبحثين لي عن عروس.
    قالت:
    - لا داعي للبحث العروس موجودة.
    ضحك وقال:
    - أحقا! من هي؟
    قالت:
    - الآنسة...
    فجأة سمعت ألما إياد وهو يصرخ:
    - سامي لا تلمس الجهاز ستفسد عملي.
    سكتت ألما وحين لاحظ إياد صمتها قال معتذرا:
    - آسف ألما هذا سامي المدلل كاد يفسد عملي.
    ضحكت فسألها:
    - هل تودين مكالمته؟
    شعرت بالخجل في البداية ثم وافقت بعد برهة جاء صوت سامي يحييها في أدب قائلا:
    - مرحبا آنسة ألما.
    ردت:
    - مرحبا سامي.
    لم يضف أي منهما كلمة بعد التحية فجاء صوت إياد هازئا بهما قائلا:
    - أجل ادعيا الخجل فأنا اعرف حقيقتكما.
    ضحكت ألما في صمت سألها إياد:
    - حسنا اخبرني ماذا تفعلين؟
    أجابت:
    - أراجع الرياضيات.
    قال:
    - جيد هل تحتاجين مساعدة؟
    - لا شكرا... حسنا أنا مضطرة لأن أقطع الاتصال ستغضب والدتي إن...
    قاطعها قائلا:
    - لا بأس صغيرتي اهتمي بدروسك ولا تنسي النوم مبكرا.
    - أجل سأفعل إلى اللقاء غدا.
    وقطع الإرسال.


    يتبع
     
  8. مرحبا
    شكرا حبيباتي على الكلمات الرائعة مثكن وعلى تشجيعكن لي على مواصلة القصة اتمنى ان تعجبكن التكملة.
    انتظروها
     
  9. مشكوووووووووووووووووورة على الموضوع
     
  10. مشكورة حبيتي
    والقصة رائعة
    تم التقييم
     
  11. مشكوووووورة اختي على القصة الحلوة
     
  12. في الصباح التالي وبعد أن تناول إياد وسامي طعام الفطور خرجا ذاك إلى العمل والآخر إلى المدرسة، وبما أن مدرسة سامي قريبة فهو لم يطلب من شقيقه إيصاله بالسيارة وخيرا فعل فعندما وصل إياد إلى سيارته المركونة في الموقف تفقدها وصاح في غضب:
    - الإطارات!! الأولاد الأشرار.
    كانت إطارات السيارة الأربع مفرغة من الهواء ويتطلب تغييرها الكثير من الوقت، نظر إلى ساعته كانت تشير إلى السابعة والنصف، قال يحدث نفسه:
    - بالتأكيد لن أصل في الموعد.
    ركل العجلة بقوة بقدمه وسار خارجا من الموقف، اخرج هاتفه من جيبه واتصل بالسيد عادل واخبره بأنه سيتأخر لأنه مضطرا لأن يستقل الحافلة، فلم يبد هذا الأخير أي انزعاج.
    بعد مسير عشرين دقيقة بالحافلة نزل إياد في المحطة الأقرب إلى بيت السيد عادل، واصل طريقه سيرا على الأقدام بينما هو كذلك لمح فرح ورغد صديقتا ألما في المدرسة قادمتين في الاتجاه المقابل حين مرا به ابتسم لهما فبادلاته ذات الابتسامة، فجأة جذبت فرح رغد من ذراعها سألتها قائلة:
    - أهذا هو الرجل الذي يعمل في بيت ألما؟
    ابتسم إياد حين سمعهما يتهامسان.
    سألت فرح:
    - ما رأيك أن نسأله عن ألما؟؟؟
    شعرت رغد ببعض التردد قالت:
    - نحن لا نعرف هذا الرجل.
    قالت فرح:
    - سنحدثه عن ألما فقط.
    هزت رغد رأسها موافقة، عادت الفتاتان أدراجهما وتبعتا إياد وهما تناديان عليه:
    - سيدي سيدي انتظر.
    استدار إياد وإذا بالفتاتين تسرعان الخطى نحوه سار نحوهما وهو يبتسم وحين اقتربا منه سألهما عن طلبهما قائلا:
    - نعم إياد في خدمتكما!
    ابتسمتا قالت فرح:
    - أنا اسمي فرح وهذه رغد. وأشارت إلى صديقتها
    قال إياد:
    - سعيد بمعرفتكما كيف أخدمكما؟
    سألت رغد في تردد:
    - كيف حال ألما؟
    أجاب إياد:
    - ألما بخير؟
    صاحت فرح بغضب:
    - لماذا إذن لم تعد تأتي للمدرسة؟ نحن ننتظرها دائما أمام بيتهم حتى نذهب معا إلى المدرسة لكنها لا تخرج إلينا ولا تحدثنا حتى.
    سكتت برهة ثم قالت وقد أشاحت بوجهها:
    - ألما لم تعد تحبنا لم تعد صديقتنا.
    ارتسم الحزن على محيا إياد حين لمح الغضب والألم في نظرات فرح، نظر إياد إلى رغد سائلا:
    - وأنت آنسة رغد ألن تقولي شيئا؟
    أجابت رغد:
    - فرح محقة ألما لم تعد صديقتنا.
    نظر إياد يمنة ثم يسرى وكأنه يبحث عن شيء ما، لمح مقعدا غير بعيد حيث يقفون قال:
    - ما رأيكم بالجلوس لنتحدث قليلا.
    ترددت الفتاتان قليلا وحين أصر عليهما وافقتا، جلس الثلاثة في صمت للحظات ثم قطعه إياد قائلا:
    - ألما لا تزال تحبكما وأنتما أكثر شيء تفتقده في حياتها، هي لا تمل من مراقبتكما وأنتما واقفتين تحت نافذتها تنتظرانها...
    صاحت فرح بغضب:
    - لما لا تخرج إلينا إذن؟!
    قال وقد بان عليه الجد والحزم:
    - حسنا اسمعا ألما مصابة بمرض يسمونه " رهاب الخروج من البيت" هل تعرفانه؟
    هزت الفتاتان رأسيهما في غير فهم.
    قال:
    - حسنا صاحب هذا المرض يشعر بالخوف الشديد وبالإغماء بمجرد خروجه من البيت.
    قاطعته رغد سائلة:
    - أتقصد أن هذا المرض يمنع ألما من الخروج من البيت؟
    هز إياد رأسه موافقا على كلامه فسألته ثانية:
    - أليس لهذا المرض دواء؟؟
    أجاب إياد:
    - الدواء يعتمد على شجاعة المريض وإصراره على التغلب على مرضه، لكن ألما تفتقد إلى هذه الشجاعة وتحتاج إلى نكون جميعا إلى جانبها حتى تتخلص من خوفها.
    لم تجد فرح ورغد ما تقولانه بعد الكلام الذي سمعتاه من إياد سوى ان قالتا بصوت واحد:
    - ماذا سنفعل من اجل ألما؟
    نظر الثلاثة إلى بعضهم بعض وانفجروا ضاحكين، قال إياد بحماس:
    - جيد ما رأيكما بزيارتها؟
    نظرتا إليه باستغراب سألت فرح:
    - وهل نستطيع؟
    أجاب:
    - طبعا تستطيعان ما رأيكما في اليوم؟ بعد المدرسة طبعا؟
    نظرتا إلى بعضهما البعض بفرح وقالتا:
    - موافقتان.
    قال إياد:
    - ستسعد ألما كثيرا بزيارتكما، طبعا لن تنسيا الهدية؟
    ضحكتا قائلتين:
    - طبعا لن ننسى.
    ودع إياد فرح ورغد على أمل لقائهما في المساء.
    واصل إياد طريقه يسرع الخطى وفي طريقه مر ببائع الحلويات واشترى قالبا من الحلوى واتجه إلى بيت السيد عادلن حين وصل لمح رجلين ضخمين يقفان عند الباب الخارجي هم بالدخول فاستوقفاه وسألاه عن هويته فاخبرهما انه الحارس الشخصي لابنة صاحب البيت فتركاه يدخل، استغرب إياد وجودهما فلم يخبره السيد عادل أو ألما بأمرهما ما إن اجتاز الحديقة حتى لمح السيد عادل وزوجته جودي يخرجان من البيت مسرعين حين واصلا إليه حياهما فردا التحية قال السيد عادل:
    - تأخرت كثيرا... لدينا اليوم اجتماع مهم.
    قال إياد:
    - آسف سيدي لقد تعطلت...
    لم يتركه السيد عادل يكمل كلامه قال وهو يهم بالمغادرة مع زوجته:
    - حسنا لا بأس سنتحدث فيما بعد.
    وخرجا مسرعين نظر إليهما إياد في استغراب فهما لم يمنحاه فرصة حتى يسأل عن الحارسين الجديدين.
    يمضي الإنسان حياته في جد وكد وتعب ساعيا للحصول على أشياء قد يستهلكها في دقائق ويرميها، متناسيا في أثناء سعيه أنه من دم ولحم وروح وكل هذا يحتاج إلى الراحة حتى يبدأ يومه الجديد...
    وقد يمضي الإنسان حياته في الركض وراء أشياء يعتقد أن حياته معلقة بها ولكن حين يمسك بها يجد أنها مجرد سراب قد يختفي في أي حين...
    وقد يمضي الإنسان حياته غير عابئ بما يحيط به من أشخاص يحتاجون فقط نظرة حانية أو دعاء صادق منه ليعيد إليهم الحياة والأمل من جديد ولكنه يمر دونما اهتمام بهم...
    دخل إياد البيت وهو يحمل علبة الحلوى استقبله ألما وحيته بفرح:
    - صباح الخير.
    رد التحية واتجه إلى المطبخ فتبعته وهي تسأل:
    - ماذا احضر اخبرني؟؟؟
    أجاب:
    - لا تلح فالحلوى ليست لكي.
    قالت:
    - إذن فقد أحضرت قالب حلوى لمن هو؟؟
    قال وهو يضعه في الثلاجة:
    - لا شأن لك هذه مفاجأة.
    قالت باستغراب:
    - مفاجأة!
    سأل متجاهلا إياها:
    - حسنا من بالبيت؟
    أشاحت بوجهها بعيدا عنه وغادرت المطبخ وهي تقول:
    - بالتأكيد الحلوى للآنسة يمنى؟
    تبعها وهو يقول:
    - لا.
    - إذن للخالة مريم؟
    - لا.
    - لشقيقك سامي؟
    - لا.
    - للسيد عادل؟
    ضحك عاليا وقال:
    - تقصدين والدك؟ لا ليست له.
    استدارت نحوه رفعت يدها عاليا قائلة بغضب:
    - حسنا استسلم.
    ضحك وقال:
    - بهذه السرعة بالكاد بدأت اللعبة.
    واصلت سيرها وحين دخلت غرفة الجلوس أشارت إلى مدرستها يمنى التي كانت تجلس هناك قائلة:
    - واصل لعبتك مع الآنسة يمنى فهي تجيد حل الأحاجي.
    نظر إياد إلى يمنى في خجل حياها قائلا:
    - صباح الخير آنسة يمنى.
    ابتسمت وردت التحية ثم سألت في استغراب:
    - أي أحجية تقصدين؟؟
    نظرت إليه ألما بمكر وقالت:
    - حسنا اخبرها.
    قال إياد بجدية:
    -حسنا حان وقت درسك سأذهب لتفقد البيت.
    وخرج من الغرفة وتركهما.




    يتبع
     
  13. انتظر إياد المساء بفارغ الصبر فهو يعلم الفرحة التي ستغمر ألما عند رؤيتها لصديقتيها، مضى الوقت بطيئا جدا وحين دقت الثالثة دق معها جرس الباب عندما فتح إياد كان أحد الحارسين يقف عنده شعر بخيبة أمل سرعان ما اختفت حين سأله احد الحارسين:
    - هناك فتاتين تدعيان أنهما صديقتان للآنسة ألما هل اسمح لهما بالدخول؟
    صاح به إياد:
    - طبعا دعهما تدخلان.
    بعد أن حيت فرح ورغد إياد ادخلاهما البيت بهدوء وطلب منهما البقاء في غرفة الجلوس إلى حين أن تأتي ألما ففعلتا، صعد إياد مسرعا إلى الطابق العلوي ودخل غرفة ألما بعد أن دق الباب كانت هذه الأخيرة جالسة على السرير تقرأ كتابا، قال لها في حماس:
    - حسنا أميرتي لقد حان وقت المفاجأة.
    قالت ألما في تذمر:
    - حسنا سنأكل أخيرا قالب الحلوى.
    قال:
    - لا المفاجأة أهم من أكل قالب الحلوى.
    نهضت من سريرها فأمسكها من يدها وقادها إلى المرآة قائلا:
    - حسنا انظري إلى نفسك رتبي شعرك وثيابك.
    ففعلت وهي لا تدرك ما ينتظرها.
    نزلت ألما إلى الطابق السفلي وإياد يتبعها ثم أشار عليها بدخول غرفة الجلوس وما إن فعلت حتى لمحت فرح ورغد جالستين هناك نظرت إليهما في استغراب وتفاجئ تمتمت:
    - فرح ورغد هنا!!
    هبت الفتاتان واقفتين وركضتا باتجاهها واحتضنتاها بقوة وهما تبكيان فضمتهما ألما إليها وأخذت تبكي هي الأخرى، حتى إياد لم يستطع منع نفسه من البكاء.
    بعد عناق طويل أفلتت ألما صديقتيها ودعتهما للجلوس فتركهم إياد وغادر الغرفة...
    دخل إياد المطبخ كانت يمنى ومريم هناك، قال مخاطبا الخادمة:
    - حسنا مريم اعد الحلوى لألما وصديقتيها.
    بينما كانت مريم تعد العصير اخذ إياد يساعدها في ترتيب الأكواب والأطباق وقد بدا عليه الفرح ممزوجا بالحماس، لم تنفك يمنى تراقبه في استغراب لم يسعها صمتها فسألته قائلة:
    - إياد لما تفعل كل هذا؟
    نظر إليها في استغراب ابتسم في غير فهم قال:
    - أفعل ماذا؟؟
    وضعت كوب الشاي الذي كانت تشرب منه بعيدا أجابت:
    - ما تفعله لألما، لقد تعديت حدودك كثيرا!
    نظر إليها وقد بدا عليه الغضب الذي حاول إخفاءه بابتسامة مصطنعة قائلا:
    - ماذا تقصدين؟
    أجابت:
    - أقصد انك تحاول إسعاد ألما بكل الطرق واهتمامك الزائد بهذا جعلها تشعر أكثر بإهمال والديها لها، أنت تفعل أشاء ليست من صلاحياتك لقد تعديت حدودك وتدخلت أكثر في حياة ألما، سيكون من الصعب عليك الخروج منها وستؤذيها كثيرا.
    شعر إياد بسكين غرزت في صدره كان كلام يمنى في غاية القسوة عليه، حاول أن يجد مبررا لكلامها هذا حتى انه اعتقد أنها ربما تشعر بالغيرة من ألما، ولكنه يعرف أن يمنى ما كانت لتفكر بهذه الطريقة لذلك وجد أن هذا المبرر عار من الصحة، إذن لما قالت ما قالته؟
    في غمرة الأفكار التي كانت تبحر بإياد هنا وهناك باحثا عن مبرر أو مسوغ لهذا الكلام، جاء صوت يمنى يقول في تأنيب:
    - لا تجعل ألما تتعلق بك لا تجعل لنفسك مكانا في حياتها فأنت مجرد حارس شخصي لها، دع والديها يأخذان بزمام الأمور.
    لم يعتد إياد مثل هذا الكلام خاصة من يمنى فقد كانت الرسمية أساس التعامل بينهما ولكنها اليوم مختلفة كثيرا، صبر إياد على كلامها الجارح لكن تلك النظرة القاسية التي كانت تعلو محياها استفزته...
    فجأة ضرب إياد المائدة بقوة بكلتا يديه حتى أن الأكواب تناثرت فوقها، دهشت يمنى ومريم من تصرفه هذا فهو بالعادة هادئ جدا سكت برهة ثم قال بنبرة غاضبة:
    - اسكتي لا تتفوهي بمثل هذا الكلام لست كما تقولين، ألما صارت جزءا مني هي بمثابة الشقيقة التي فقدتها منذ زمن بعيد أو الابنة التي لم أحض بها أبدا، لن أتخلى عنها مهما حصل ولن اتركها وحيدة وسأبقى دائما من يزرع البسمة على شفتيها.
    سكت ثانية ثم واصل كلامه قائلا:
    - والداها لا يشعران بوحدتها وحزنها يتركانها وحيدة رغم أنها أكثر حاجة إليهما من ذلك العمل السخيف لكنهما يقفلان الباب ويذهبان، والداها لا يستحقان وجودها في حياتهما لا يستحقان...
    قالت يمنى:
    - لست من يقرر ذلك.
    أحست مريم بأن نقاشهما سيفضي بالتأكيد إلى شجار عنيف لذلك حملت الصينية التي أعدتها ووضعها بين يدي إياد قائلة:
    - حسنا خذ هذه للفتيات.
    حمل إياد الصينية رمق يمنى بنظرة غاضبة لكنها بادلته بابتسامة تجاهلها وخرج من المطبخ، حين اقترب من غرفة الضيوف تناهت إلى مسامعه ضحكات ألما وصديقتيها فمسح ملامح الغضب التي كانت على وجهه ودخل الغرفة، وضع الصينية على المائدة قائلا:
    - حسنا تفضلن آنساتي.
    فجأة جذبته ألما من سترته قائلا:
    - إذن هذه هي المفاجأة، بالتأكيد كنت سأخسر باللعبة.
    ضحك وقال:
    - طبعا فأنا أجيد اللعب.
    نظرت إلى صديقتيها وقالت:
    - هذه أجمل مفاجأة شكرا لك.
    لمح إياد بعض المجلات بين يدي ألما أخذ واحدة منهن قائلا:
    - أرني هل هي لك؟؟؟
    قالت ألما بفرح:
    - أجل لقد أحضرتها لي فرح ورغد.
    هنا تدخلت فرح قائلة:
    - هذه المجلة المفضلة لدى ألما.
    قالت رغد:
    - أجل كما أمرتنا.
    فجأة دفعتها فرح بمرفقها ضحك إياد منهما في حين أخذت ألما تنظر إليهما باستغراب.
    وأعاد إياد المجلة إلى ألما وخرج.
    لم يشأ إياد العودة إلى المطبخ ومعاودة النقاش مع يمنى الذي أغضبه وأثر فيه من حيث لم يشعر أحس بشيء ما في داخله يقول له بأن يمنى محقة في كلامها، فهو يدرك أنه لا يتم لألما بصلة فلما قد يتعلق بها أو تتعلق به وهو مجرد خادم في بيت والدها، لكنه لا يستطيع أمام ما يراه في عينيها من حزن وفرح إلا أن يشاركها فيهما.
    لما لا ندع للقلوب الحرية في الاختيار دون قيود أو معادلات تفرض ذاك وترفض ذلك...؟
    لما نبخل بالأشياء التي وهبنا الله مجانا لما نضطر دائما إلى حساب المقادير نعطي القليل دون خجل ونترك الباقي يضيع هباءا...؟
    لما نقدس العطاء المحدود ونفضل التقتير في توزيع العطاءات، ألا أستحق أن ترسم البسمة على شفتي...؟
    سار إياد في الرواق وصل إلى الباب وضع يده على المقبض لكنه تردد ونزعها وقف مليا ثم تراجع واتكأ على الجدار بجانب الباب رفع رأسه وأخذ يتأمل الصورة المعلقة على الجدار الآخر المقابل، كانت الصورة لفتاة صغيرة تجلس في بستان وتقطف الأزهار أبحر بتفكيره في الصورة إلى عشر سنوات قبل هذا اليوم حين كانت شقيقته همسة تلعب مع صديقاتها في حديقة بيتهم كان يتأملها إياد من نافذة غرفته حين كان يعلو صراخها على صديقاتها حين يقطفن زهورها المفضلة فتطردهن من الحديقة وتبقى وحيدة مع الأزهار تحادثها وكأنها بشر مثلها...
    نزلت دمعة من عين إياد لا إراديا فلم يمسحها وتركها تتسرب بين ثنايا وجهه فتبعتها ثانية وثالثة ورابعة، فجأة خرجت ألما وصديقتيها من غرفة الجلوس متجهات إلى الباب مسح إياد وجهه بكم قميصه واعتدل في وقفته ابتسم حين رآهن وقف الأربعة لدى الباب قالت فرح لإياد سائلة:
    - سيد إياد نستطيع زيارة ألما مرة أخرى صحيح؟
    أجاب:
    - طبعا تستطيعان.
    فتح إياد الباب احتضنت ألما صديقاتها بقوة قائلة:
    - لا تنسيا زيارة أنا انتظركما كل يوم...
    قالت رغد:
    - أجل سنفعل حتى تطردينا.
    وضحك الجميع...
    غادرت فرح ورغد وبقي إياد وألما واقفين لدى الباب يتأمل أحدهما الآخر همت ألما بالحديث لكن إياد سبقها سائلا في تردد:
    - ألما هل تحبينني؟
    ضحكت قائلة:
    - أجل طبعا.
    سكت فقالت ألما وقدا بدا في كلامها الحزن:
    - ليتك كنت والدي.
    تفاجئ إياد من كلامها فهو يؤكد ما قالته يمنى، قال:
    - أنا...
    فجأة فتح الباب دخل السيد عادل وزوجته جودي استغرابا وجود ألما وإياد هناك حياهما قائلين بصوت واحد:
    - مرحبا.
    فرد الاثنان التحية، سألت جودي في استغراب:
    - ماذا تفعلان هنا؟؟
    أجابت ألما:
    - كنت أودع إياد.
    هنا حضرت يمنى وهي تحمل سترتها وحقيبتها بين يديها حيت السيد عادل وزوجته فردا التحية وانسحبا إلى غرفة الجلوس.
    وقفت يمنى مع إياد وألما عند الباب تلبس سترتها سألت إياد:
    - ألن تغادر؟
    أجاب بجمود:
    - أجل سأفعل لا أريد أن أتأخر عن سامي فسيارتي معطلة.
    فتح لها إياد الباب فخرجت نظر إلى ألما وقال:
    - حسنا أميرتي نلتقي غدا.
    ابتسمت وقالت:
    - أجل نلتقي في الجنة.
    ضحك وخرج.
    لم يكن إياد يظن أن تلك الابتسامة ستكون الذكرى الوحيدة له من ألما والتي سيعيش لوقت طويل وهو يحلم برؤيتها مرة ثانية...


    يتبع
     
  14. يسلموو ع القصة الفرووعه
     
  15. الله يسلمك حبيبتي خليك متابعة
     
  16. في طريقه إلى الحي قرر إياد المرور بمحل تصليح السيارات وذلك ليجد شخصا ما يغير له إطارات سيارته، أمر صاحب المحل احد العاملين لديه بمرافقة إياد لتفقد السيارة...
    كان إياد مستعد لتحمل كل شيء غير ثرثرة ذلك العامل فهو لا يكاد يخرج من موضوع حتى يدخل في الثاني تحدث في كل شي وعن كل شيء عن السيارات، الحواسيب، الطائرات، وحتى السفن، ولم يجد إياد من مفر منه غير هز رأسه موافقا على كل كلمة يقولها، وأخيرا وصلا الحي ركن العامل سيارته بجانب سيارة إياد في الموقف نزل إياد أولا ثم نزل العامل ومعه عدة التصليح، تفقد السيارة ثم قال مبتسما:
    - لا تقلق سيدي الايطارات سليمة ولكنها مفرغة من الهواء لذلك يستلزم إعادة تعبئها.
    سكت العامل برهة ثم قال:
    - هذا فقط.
    ابتسم إياد فرحا فالتصليح لن يأخذ وقتا مثلما كان متوقعا مما يوفر عليه سماع ثلاث أرباع ثرثرة ذلك العامل...
    اخذ إياد يراقب العامل وهو يقوم بنفخ الايطارات الواحدة تلو الأخرى حتى انتهى من الرابعة، أعطاه إياد أجرة التصليح وذهب...
    سار إياد نحو مدخل المبنى وهو يفكر في دعوة شقيقه سامي للعشاء خارج البيت بما أن السيارة قد تم إصلاحها، دخل إياد المبنى وفجأة أحس بذراعين تلتف حول ذراعيه نظرة يمنة ويسرة وإذ برجلين ضخمين يمسكان بذراعيه صاح به الرجل على اليمين:
    - لا تصرخ وإلا...
    أحس إياد بشيء صلب مغروز في خاصرته نظر وإذ به مسدس ، صاح فزعا:
    - ماذا تريدان مني؟
    قال الرجل على الميسرة:
    - ألم تسمع ما قاله لا تحدث أي ضجة وإلا سنقتلك.
    شعر إياد بالخوف والفزع في البداية ظنهما لصين ولكن الرجلان لم يطلبا مفاتيح سيارته أو حتى محفظة نقوده بل دفعاه بقوة وقداه إلى الدرج قال الرجل الأول:
    - ما هو رقم شقتك؟
    سكت إياد فغرز الرجل المسدس في خاصرته بقوة فصاح إياد:
    - الثامنة.
    صعد إياد الدرج مرغما وكلا الرجلين يدفعانه بقوة حين وصل الشقة أمر الرجل إياد بفتح الباب ففعل ودخل الثلاثة الشقة ثم توجهوا إلى أول غرفة صادفتهم وكانت غرفة الجلوس، دفع الرجلان إياد على الأريكة بقوة قال احدهما:
    - لا تتحرك.
    نظر إياد إليهما في هلع وقال:
    - ماذا تريدان مني؟
    نظر إليه الرجل صاحب المسدس وقال:
    - لا يزال الوقت مبكرا على هذا السؤال، ما رأيك بهذا السؤال: أين هو شقيقي سامي؟
    حين سمع إياد اسم سامي انتفض واقفا وهو يصرخ:
    - ماذا تقصد؟
    امسكه الرجل الثاني من كتفيه وأجلسه بالقوة، أخرج من جيبه هاتفا طلب رقما ما ووضع السماعة على أذن إياد، فجأة جاء صوت سامي يصرخ ويبكي:
    - إياد إياد أنقذني إياد...
    فرد عليه إياد بذات النبرة:
    - سامي ماذا...
    لم يدعه الرجل يكمل جملته وانتزع الهاتف من أذنه قائلا:
    - هذا يكفي.
    هجم إياد على الرجل كالثور الهائج ولكن هذا الأخير كان تفادى هجومه ودفعه على الأريكة قائلا:
    - اهدأ وإلا لن ترى شقيقك ثانية.
    لم يستوعب إياد ما يحدث معه تمنى لو كان كابوسا، كاد الخوف والحيرة يعصفان بعقله لولا أن اجبر نفسه على الهدوء، وبما أنهما يمسكان بشقيقه فما من مفر من سماع ماذا يريدان، لاحظ الرجل المسلح صمته وهدوءه فقال:
    - جيد هكذا سأجيبك على سؤالك، اسمع ما نريده بسيط جدا نريد ألما!!
    نظر إياد في استغراب ردد كلامه بغير وعي:
    - ألما!
    قال الرجل:
    - أجل ألما ابنة السيد العادل أنت حارسها الشخصي و...
    صاح إياد بغضب:
    - مستحيل ماذا تريدان منها؟
    قال الرجل وهو يخرج من جيبه دفترا وقلما قائلا:
    - أنت تكثر من الأسئلة، دون هذه المعلومات وسينتهي كل شي ويعود سامي.
    رمى الرجل الدفتر فوقع على الأريكة بجانب إياد فحمله هذا الأخير واخذ يقرأ ما كتب فيه، كان مطلوبا منه أن يدون بعض المعلومات عن وقت خروج والدي ألما للعمل، ووقت وصول الخادمة وكذلك يمنى والطلب الأخير هو كلمة السر دخول نظام الأمن للبيت حين قرأه إياد صاح وقد رمى الدفتر بعيدا:
    - مستحيل لن أعطيكم هذه المعلومات.
    استفز ما فعله إياد الرجل المسلح فهجم عليه ألصق المسدس على جبهته قائلا:
    - لا تتحاذق معي.
    وأشار إلى صديقه قائلا:
    - اتصل بهم اخبرهم أن المهمة فشلت أقتلوا الفتى.
    جحظت عينا إياد حين سمع هذه الجملة، نظر إلى الرجل الثاني وهو يخرج الهاتف من جيبه ما إن وضع إصبعه على الزر حتى صاح إياد باكيا:
    - لا أرجوك لا تفعل سأعطيكم ما تريدون...
    نظر إليه الرجل المسلح نظرة سرور ثم قال:
    - جيد هكذا أريدك.
    سار الرجل حيث كان الدفتر ملقا على الأرض حمله واتجه به إلى إياد ووضعه بين يده قائلا:
    - أسرع ليس لدينا الوقت.
    امسك إياد الدفتر والقلم ويداه ترتعدان لم يستطع تحريكهما وكأنهما تجمدتا فقط دموعه التي استطاع ذرفها بكل سهولة، اخذ يحدث نفسه:
    -لا استطيع يا الهي ساعدني.
    أغمض عينيه للحظات ليستجمع قواه حاول أن يمحو صورة ألما من ذاكرته ويستحضر صوت شقيقه يطلب النجدة فنجح الأمر فتح عينيه واخذ يدون المعلومات التي طلباها في الدفتر وهو يبكي وحين انتهى رمى الدفتر على الطاولة قائلا:
    - خذ هذا ما تريده.
    حمل الرجل الدفتر ألقى عليه نظرة ثم قال:
    - بعد أن نأخذ الفتاة سنعيد إليك شقيقك، لا تذهب غدا إلى العمل واعلم سيدك إن هو أخبر الشرطة لن يرى ابنته ثانية.
    وضع الرجل الدفتر في جيبه وأشار إلى رفيقه بالخروج استوقفهما إياد قال والدموع تخنق عبراته:
    - لا تؤذيا الفتاة فهي مريضة...
    سكت برهة ثم قال:
    - اعصبا عينيها فهي لا...
    لم يهتم الرجلان لتوسلاته وخرجا.
    اعترى إياد غضب وحزن عارمين لم يشعر بهما منذ تلك الليلة التي قضى فيها والديه وشقيقته همسة قبل عشر سنوات، ظن أن ما من شيء سيجعله يجرب ذلك الشعور مرة ثانية ولكن هاهي الحياة تمتحنه مرة ثانية وتجبره التخلي عن جزء منه للحفاظ على جزءه الثاني... عادت الذكريات بإياد إلى ذلك اليوم الذي تعرف فيه على ألما كانت بالكاد تخرج من غرفتها ولا تحدثه إلا نادرا لم تشأ أن تحتك به، أما هو فلم يستسلم وحاول معها بكل الطرق حتى يخرجها من حالة الحزن التي وضعت نفسها فيها وفي الأخير وبعت تعب مضني تمكن من أن يعيد إليها ابتسامتها رغم ما ظل في نفسها من آثار صدمة حادث الاختطاف...
    لم يتحمل إياد كل هذه الذكريات التي عادت إليه حتى تعذبه أكثر وتزيد من فظاعة ما فعلته يداه أحس أن شيئا ما يحترق في داخله كالبركان ثائر... نهض من مكانه وهو يجول ببصره هنا وهناك دون وعي لما سيفعل، أراد فقط أن يطفأ ناره بأي طريقة ركل الطاولة بقدمه بقوة فانقلبت أكثر من مرة فسقطت المزهرية التي كانت أعلاها وتناثرت شظاياها في إنحاء الغرفة...
    خرج من غرفة الجلوس واتجه إلى الحمام غسل وجهه ثم إلى ذهب غرفة نومه دخل وأغلق الباب وراءه بقوة.



    يتبع
     
  17. جاء الصباح أخيرا وأشرقت شمسه لكنه كان صباحا مختلفا حتى شمسه كانت مختلفة فبالعادة تسري أشعتها في الجسد لتشعره بالدفء والحنان ولكن هذه المرة كانت بالنسبة لإياد أسهما نارية اخترقت جسده حين فتح نافذة غرفته، دخل الحمام غسل وجهه ثم نظر إلى عينيه المتورمتين من شدة البكاء واللتان لُفتا بالسواد من قلة النوم، مسح وجهه بالمنشفة ثم رماها بعيد وخرج من الحمام.
    خرج إياد من شقته دون أن غير ملابسه أو حتى يمشط شعره كان تبدو جليا للرائي حالته المزية، ركب سيارته وانطلق في عجل بعد مسيرة ربع ساعة تقريبا وصل الحي حيث يقع بيت السيد عادل ركن السيارة غير بعيد عن البيت بحيث يتمكن من رؤية الداخل والخارج دون أن يروه، أوقف محرك السيارة وبقي داخلها وعينيه مركزتان على مدخل البيت، اخذ ينظر إلى ساعته بين الفينة والأخرى فجأة خرج السيد عادل وزوجته من البيت وركبا سيارتهما وغادرا انقبض قلب إياد فالأسوأ قادم وألما وحيدة كيف ستتحمله؟
    تلمس إياد جيبه ثم اخرج منه جهاز الإرسال نظر إليه مليا لكم يتمنى لو يسمع صوت ألما تناديه... لكم تمنى أن يكون معها في لحظات الخوف الآتية التي وضعها فيها مضطرا... بيد مرتعشة ضغط على الزر الأخضر في الجهاز ووضع السماعة في أذنه انتظر أن يأتيه صوت ألما ولكن... انتظر وانتظر وانتظر وفجأة جاء صوتها يحييه بفرح:
    - صباح الخير إياد كيف حالك؟ آسفة لتأخري في الرد لقد علقت الجهاز على قميصي وارتديت فوقه السترة لذلك لم انتبه لندائك، هيا اخبرني أين أنت؟ هل أنت بالبيت؟ هل من مفاجآت جديدة؟ أنا في انتظارها.
    أحس إياد بكلماتها تحرق قلبه لبساطتها وبراءتها دون وعي أو إدراك منها لما هو آت، انهمرت دموعه غزيرة لم يرد عليها بل بقي صامتا وحين لاحظت صمته أخذت تهتف باسمه:
    - إياد إياد تحدث هل أنت موجود؟؟
    شهق إياد بقوة ونطق أخيرا قال محاولا حجب دموعه عن كلماته:
    - ألما أميرتي أنا آسف سامحني...
    سألته في قلق:
    - إياد ما الأمر ما بك؟

    قال في يأس:
    - أميرتي كوني قوية.
    فجأة لمح إياد سيارة تتوقف أمام بيت ألما بسرعة البرق خرج منها أربعة رجال اثنين منهما تعرف عليهما إياد بمجرد أن رآهما، هجم الرجال على الحارسين لدى الباب واردوهما صريعين ثم دخل اثنان البيت وبقي الآخرين عند المدخل اخذ إياد يراقب ما يحدث وقلبه يخفق بشدة، فجأة وبينما هو كذلك جاء صوت ألما من السماعة وهي تصرخ:
    - من أنتما ماذا تريدان مني؟ إياد إياد انقدني أرجوك إياد تعال...
    رمى إياد الجهاز بعيدا فسقط تحت المقعد الثاني خرج مسرعا من السيارة وركض متجها نحو البيت في محاولة يائسة لمنعهم من اخذ ألما لكن الرجلين اللذين كانا أمام المدخل منعاه من الدخول وأشهرا بوجهه مسدسيهما وهددا بقتله إن هو حاول الدخول فجأة خرج الرجلان الآخران واحدهما يحمل ألما بين يديه وهي فاقدة الوعي انتفض إياد حين رآها واخذ يصرخ بأعلى صوته:
    - دعوها يا مجرمين دعوها...
    لكمه الرجل بكل ما أوتي من قوة فسقط إياد على الأرض لكن اللكمة لم تفقده وعيه جثا على ركبته بصق الدماء التي تجمعت في فمه من أثر الضربة مسح شفتيه، وهنا تقدم منه احد الرجال نغزه بالمسدس في ظهره قائلا:
    - أيها الغبي ألم أقل لك لا تغادر بيتك؟ ألا تريد رؤية شقيقك مرة ثانية؟
    لم ينتظر الرجل جوابا من إياد بل أمر رفاقه بركوب السيارة وغادروا تاركين إياد وهو يهتف باسم أميرته في يأس.


    يتبع
     
  18. يعطيكِ العافية على مجهودك ننتظر المزيد من موضيعك الحلوة
     
  19. مشكورة اختي على القصة الرائعة
     
  20. نزلت يمنى من الحافلة في المحطة المعتادة عدلت شالها الذي كانت تضعه حول رقبتها وواصلت طريقها سيرا إلى بيت السيد عادل، كانت تفكر في الكلام الذي قالته البارحة لإياد أحست أنها بالغت في قسوتها عليه فقد كان واضحا من تصرفاته بعد مغادرتهما بالأمس أن كلامها جرح مشاعره لذلك قررت اليوم الاعتذار عن ما بدر منها مع أنها كانت مقتنعة بأن كلامها كان نابعا من قلقها من تعلق ألما به ولكنه فهم كلامها بشكل مختلف...حين وصلت يمنى التقاطع لاحظت سيارة إياد متوقفة بعيدا عن البيت فاستغربت الأمر لكنها لم تهتم بعد دقائق معدودة دخلت البيت لاحظت شيئا آخر غريب سألت نفسها بصوت مرتفع:
    - أين الحارسان الجديدان؟
    ما إن اجتازت حديقة البيت حتى رأت الحارسان جالسان هناك و الضماد يغطي رأسيهما وملابسهما ملطخة بالدماء، شعرت يمنى بالخوف لمحت باب البيت مشرعا فدخلت مسرعة...
    حين دخلت غرفة الضيوف كان إياد يجلس هناك نظرت إلى وجهه المتورم من جراء تلك اللكمة صاحت وقد ازداد قلقها وخوفها:
    - إياد ماذا حدث ما به وجهك؟
    كان إياد يجلس على الكنبة وقد اسند ظهره ورفع رأسه وعلق نظراته التائهة في السقف، اتجهت يمنى نحوه حين لاحظت تجاهله لسؤالها وشروده، هزت كتفه بقوة قائلة:
    - إياد اخبرني ماذا حدث هنا؟
    انتزع عينيه من على السقف وركزهما بوجهها قال مبتسما وقد فاضت الدموع من عينيه:
    - لقد اخذوا ألما لقد أخذوها!
    صاحت بهلع:
    - ماذا! من أخذها؟؟
    أوهمت تلك الابتسامة المرتسمة على شفتي إياد يمنى أن ما سمعته غير صحيح لذلك لم تنتظر تأكيدا منه لكلامه، بل رمت حقيبتها على الكنبة وصعدت إلى غرفة ألما... بعد دقائق عادت والشحوب يعلو وجهها الجميل وقفت بذهول تتأمل إياد وهو غير الشاب الذي عرفت، مضيت الدقائق وهي تحاول استيعاب ما يحدث... طال صبرها ولم يأتي إياد بأية حركة حتى أنه لم يشرح لها ما حدث، صاحت به قائلة:
    - بالله عليك إياد ماذا تنتظر؟ ما الذي ستفعله؟
    لم يرد عليها بقي صامتا...
    أرادت يمنى وبشدة صفع إياد عله يفيق من شروده ولكنها لم تفعل فقد بدا لها جليا حالة اللاوعي التي كان بها فمتى كانت الابتسامة رفيقة الدموع؟
    أخرجت هاتفها من جيبها واتصلت على عادل والد ألما حين جاء صوته يستفسر سبب اتصالها قالت دون مقدمات:
    - سيدي ابنتك اختطفت!
    صرخ:
    - ماذا!!!
    لم تسمع يمنى بعد ذلك غير صوت انقطاع المكالمة...
    بعدها وضعت يمنى الهاتف في جيبها وأخذت تتأمل إياد في حزن ممزوج بالغضب وهي غير قادرة على فك الطلاسم التي ارتسمت على وجهه.
    " أحيانا تضعنا الحياة أمام خيارين أحلاهما مر ولا مجال للتهرب منهما فإما أن تختار احدهما وتمضي قدما على الرغم من مرارته، أو أن تقف مكانك غير قادر على اتخاذ القرار وأنت تجهل إلى متى سيصبر الوقت أمام جمودك، فأيهما تفضل؟
    أنا أقول: ما دمت قد قمت بفعل الاختيار فأنت إنسان فاعل، أما ما تبقى فهو في علم الغيب فعسى أن يكون اختيارك خاتمته خير من يدري؟ ".
    بعد مرور ربع ساعة تقريبا سمعت يمنى صراخ عادل والد ألما في الحديقة وهو يستفسر الحارسان عما وقع، نظرت إلى إياد همست بخوف:
    - لقد حضر...
    وقف إياد وكأنه يعد نفسه لما هو قادم.
    دخل عادل البيت وهو يصرخ بأعلى صوته:
    - ألما، ألما...
    حين دخل غرفة الضيوف قابلته يمنى والخوف باد على وجهها نظر إليها بغضب قال:
    - اخبريني بأن ما سمعته مزحة هيا أين ألما؟
    لم تجبه ووجهت نظراته إلى إياد وكأنها ترمي على كاهله مسؤولية الإجابة على السؤال، وجه عادل هو الآخر نظراته إلى إياد وسأله بذات النبرة:
    - إياد أين ابنتي؟
    هنا دخلت جودي وحالها لا تختلف عن حال زوجها وقفت في ذهول تنتظر ما سيؤول إليه الحوار، نطق إياد بصوت بالكاد يسمع قال:
    - لقد اختطفوها!
    ضمت جودي يدها إلى فمها وهي لا تكاد تعي ما سمعته، صرخ عادل في إياد قائلا:
    - كيف حدث ذلك ألست موكلا بحراستها كيف تمكنوا من أخذها؟
    انفجرت جودي باكيا وكادت تنهار على الأرض فأسرعت يمنى وأمسكت بها، أجلستها على الأريكة وحاولت تهدئتها في حين بقي عادل ينتظر جوابا من إياد الذي وقف أمامه وهو يشعر أن الكلمات تهرب من لسانه... ساد صمت طويل قطعه إياد قائلا:
    - أنا سمحت لهم بأخذها أنا ساعدتهم...
    توجهت كل النظرات إلى إياد في ذهول صاحت يمنى من دون وعي:
    - إياد ماذا تقول؟
    فجأة هجم عادل على إياد وامسكه من ثيابه وهزه هزا عنيفا وهو يصرخ:
    - أيها الخائن لقد تركتها أمانة بين يديك يا ناكر الجميل كيف سمحت لهم بأخذها؟ أين أخذوا ابنتي؟
    لكمه عادل بقوة فسقط إياد على الأريكة دون أن يبدي أية ردة فعل، ثم انحنى عليه وامسكه مرة ثانية من ثيابه وأوقفه قائلا:
    - سأقتلك إن حدث شيء لابنتي أفهمت؟
    أشاح إياد بوجهه بعيدا في حين تركت يمنى جودي غارقة في دموعها اتجهت إلى عادل وأمسكته من ذراعه بقوة وأبعدته عن إياد قائلة:
    - لن يفيدنا الغضب بشيء أرجوك سيدي اهدأ.
    نظرت يمنى إلى إياد في استعطاف قائلة:
    - أرجوك أخبرنا لما فعلت هذا؟
    هنا صرخ فيها عادل:
    - الأمر واضح كان يريد مالا.
    نظرت إليه في لامبالاة قائلة:
    - أنت مخطئ!
    في خضم تلك الحيرة التي اجتاحت الجميع نطق إياد تلك الكلمات التي ألهبت فؤاده الساكن قال بهدوء حزين:
    - لقد اختطفوا شقيقي سامي! وهددوا بقتله إذا رفضت تسليم ألما ماذا كنت سأفعل؟
    سكت برهة ثم قال:
    - لقد حاولت منعهم من أخذها لكني لم افلح.
    بعد كلمات إياد هاته ساد السكون المكان حاول كل منهم تخيل موفقه لو كان في مكان إياد ماذا كان سيفعل؟ وكيف كان سيتصرف؟ بدا جليا أن الخيارات منعدمة ولا سبيل إلا للموافقة، هدأت النفوس أخيرا واستسلمت لواقع ما حدث إلا دموع جودي التي ضلت تتراقص على خديها طول الوقت، اخرج عادل الهاتف من جيبه قائلا:
    - سأتصل بالشرطة و...
    انتفض إياد من مكانه أسرع نحو عادل امسكه من ذراعه بقوة قال:
    - لا سيدي لا تفعل، لقد هددوا بقتلهما إن نحن اخبرنا الشرطة.
    انتزع عادل ذراعه من بين يدي إياد بقوة وصاح:
    - أنت السبب لو أخبرتني ما كان حدث ما حدث.
    لم يعر إياد كلامه اهتمام وقال مترجيا إياه:
    - أرجوك سيدي انتظر سيتصلون بك.
    صاح عادل به:
    - لو حدث شيء لألما ستدفع الثمن غاليا، اخرج من بيتي...
    وقفت يمنى بصمت حائرة فيما تقول وهي تراقب إياد وهو يغادر الغرفة منكسر النفس عادت إلى ذهنها صورة إياد المرح الذي طالما كان همه الوحيد إسعاد ألما أحست يمنى حجم الظلم الذي وقع عليه، نظرت إلى عادل وزوجته جودي بغضب قالت:
    - إياد لا يستحق هذا لقد احتوى ابنتكما بين أضلاعه ورسم الابتسامة على شفتيها ومسح الدموع من مقلتيها في حين كنتما خارج حياتها مشغولان بعملكما، الآن يجب أن تشعرا بقيمة ما فقدتما...
    صرخ عادل بوجهها قائلا:
    - اخرجي من بيتي حالا...
    خرج يمنى من بيت عادل غير آسفة على ما قالته.
    وقفت أمام الباب الخارجي للبيت تسترجع أنفاسها ثم سارت في الشارع حيث كانت سيارة إياد متوقفة وهي تتمنى انه لم يغادر بعد المكان، بينما هي كذلك إذ بها تسمع صوت ارتطام تلاه صوت تكسر زجاج أسرعت الخطى نحو مصدر الصوت وما إن التفت يمينا حتى لمحت إياد يقف بجانب سيارته...
    حين رأته يمنى تجمدت في مكانها كان واقفا وهو يحمل بيده قضيبا حديديا وقد تناثرت قطع الزجاج حوله وداخل سيارته، تمتت يمنى في دهشة:
    - المجنون لقد حطم سيارته!!
    فجأة رفع إياد يده محاولا تحطيم زجاج النافذة الخلفية للسيارة فصرخت فيه يمنى من دون وعي:
    - إياد لا تفعل!
    التفت إياد نحوها وعيناه ملئ بالدموع لم يعر كلامها اهتماما وضرب زجاج النافذة بكل ما أوتي من قوة فأحدث ضررا كبيرا به ثم رفع يده مرة أخرى فركضت يمنى نحوه... أمسكته من ذراعه قائلة:
    - توقف هذا لن يفيدك في شيء.
    جذب ذراعه بقوة من بين يديها بغضب وصرخ بها:
    - دعيني ابقي بعيدة...
    ضرب الزجاج بالقضيب فتسكر وتناثرت قطعه احتمت يمنى بإياد حتى لا تصيبها الشظايا، بعدها لم تستطع يمنى إخفاء غضبها خوفها من تصرفه هذا فضربته على ظهره بقوة قائلا:
    - مجنون كدت تؤذيني.
    لم يهتز إياد لضربتها تلك بل بقي واقفا كبركان من الغضب المشتعل ينتظر إخماده، انتقل بعدها إلى النافذة الأمامية للسيارة ولكن هذه المرة حالت يمنى دونه وقفت بين وبين السيارة قائلة:
    - إياد توقف ما تفعله لن يعيدهما إليك...
    تأمل إياد عينيها اللتين كانتا تترجيانها قبل كلماتها وقد امزج فيهما الخوف والحزن شعر بيأسها ويأسه فأرخى يديه وتنهد عميقا... حين شعرت يمنى باستلامه انتزعت القضيب الحديدي من يده ورمته بعيدا، لم ينزعج إياد من تصرفها هذا لأنه في الأخير أدرك أن ما يفعله لن يجد نفعا... جلس على الرصيف بجانب سيارته وضع رأس بين ذراعيه المتربعتين على فخذيه وسكت، نفضت يمنى الزجاج المتناثر على الرصيف وجلست بالقرب من إياد في صمت.
    جلست يمنى عاجزة أمام يأس إياد الذي بلغ مداه، استغربت كيف يملك هذه القدرة الجبارة على إيلام نفسه...
    - إذا حدث شيء لأما لن أسامح نفسي أبدا.
    نطق هاته الكلمات بإصرار وتصميم، رفع رأسه انتفض واقفا قال:
    - سأغادر.
    رفعت يمنى عينيه إلى وجهه وسألته باستغراب:
    - إلى أين؟
    أجاب دون تفكير:
    - لا ادري.
    هبت واقفة قالت:
    - حسنا سأذهب معك أينما ذهبت.
    شعرت يمنى بان إياد ليس بحالة تسمح له بالبقاء وحيدا فربما يتهور ويفعل أي شيء قد يضر به...
    تابعها إياد بنظراته وهي تتجه نحو السيارة ، فتحت الباب لحمت الكرسي وقد تناثرت فوقه قطع الزجاج الصغيرة نفضتها بعيدا جلست وأقفلت الباب، راقبها إياد في استسلام ثم ركب السيارة هو الآخر وانطلق في غير وجهه محددة.


    يتبع