من أخص خصائص العبودية : الافتقار المطلق إلى الله ، وحقيقته أن يجرد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها ، ويقبل إلى ربه متذللا بين يديه ، مستسلما لأمره .ونهيه إن هذه المنزلة التي يصل إليها القلب هي سر حياته وأساس إقباله على ربه ، فالافتقار إلى الله حاد يحدو العبد إلى ملازمة التقوى ومداومة الطاعة . ويتحقق ذلك بأمرين هما : الأول : إدراك عظمة الخالق وجبروته : فكلما كان العبد أعلم بالله كان أعظم افتقارا إليه وتذللا بين يديه . الثاني : إدراك ضعف المخلوق وعجزه : فمن عرف قدر نفسه ، وأنه مهما بلغ في الجاه والسلطان والمال فهو عاجز ضعيف لا يملك لنفسه صرفا ولا عدلا ، تصاغرت نفسه ، وذهب كبرياؤه ، وذلت جوارحه . من علامات الافتقار إلى الله العلامة الأولى : غاية الذل لله تعالى مع غاية الحب : فالمؤمن يسلم نفسه لربه منكسرا بين يديه ، متذللا لعظمته ، مقدما حبه على كل حب . طمأنينة قلبه وقرة عينه أن يعفر جبهته بالأرض ويدعو ربه رغبة ورهبة . العلامة الثانية :التعلق بالله تعالى ومحبوباته : فشعور العبد بفقره وحاجته إلى ربه عز وجل يدفعه إلى الاستكانة له والإنابة إليه ، ويتعلق قلبه بذكره وحمده والثناء عليه ، والتزام مرضاته ، والامتثال لمحبوباته . ومن تعلق قلبه بربه وجد لذة في طاعته وامتثال أمره لا تدانيها لذة . وأعظم الناس ضلالا وخسارا من تعلق قلبه بغير الله العلامة الثالثة : مداومة الذكر والاستغفار : فقلب العبد المؤمن عاكف على ذكر مولاه ، والثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى في كل حال من أحواله ، دائم التوبة والاستغفار عن الزلل ، يجد لذته و أنسه بتلاوة القرآن ، ويرى راحته وسكينته بمناجاة الرحمن . إن مداومة الذكر والاستغفار آية من آيات الافتقار إلى الله ، فالعبد يجتهد في إظهار فاقته وعجزه ويمتلىء قلبه مسكنة وإخباتا . ومقتضى ذلك أنه لا يركن إلى نفسه ، ولا يطمئن إلى قوته ، ولا يثق بماله وجاهه . العلامة الرابعة : الوجل من عدم قبول العمل فمع شدة إقبال العبد على الطاعات والتقرب إلى الله بأنواع القربات ، إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق ، يخشى أن يحرم من القبول .قال الله تعالى : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) . قالت عائشة : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يا ابنة الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ، وهم يخافون أن لا يقبل منهم ، أولئك الذين يسارعون في الخيرات ) . العلامة الخامسة : خشية الله في السر والعلن الخوف من الله من أجل صفات أهل الإيمان ، وخشية الله في السر والعلن من أعظم آيات الافتقار والفاقة إليه سبحانه . ولذا فإن المؤمن متيقظ القلب ، يرتجف خشية وإشفاقا ، دائم المناجاة لربه ، يستغيث به استغاثة المفتقر الذليل . والخوف من الله عبادة قلبية تدفع العبد إلى الحرص والجدية والإقبال على الطاعة . العلامة السادسة : تعظيم الأمر والنهي : تعظيم الأمر والنهي يعني : الوقوف عند حدود النصوص الشرعية ، والالتزام الصادق بمقتضياتها ودلائلها ، فأمر الله وأمر رسوله حقه الإحلال والامتثال .قال الله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) . العلامة السابعة : سرعة التوبة بعد المعصية : الخطأ والزلل صفة بشرية ملازمة للإنسان ، والتوبة إلى الله من أعظم وأجل صفات أهل الإيمان ، والعبد الصالح إذا زلت به القدم ، وعصى الله عز وجل اتصف بصفتين : الأولى : سرعة الندم والرجوع إلى الله . الصفة الثانية : عدم الاستهانة بالمعصية فالمؤمن يجد في قلبه ندما وألما على مقارفة العصيان ، ويتفطر فؤاده فرقا وخشية من ربه ، فالتوبة تملأ القلب افتقارا إلى الله ، ويشعر العبد بذل المسكنة ، فيلجأ إلى ربه منكسرا بين يديه ، معترفا بذنبه ، باكيا على خطيئته ، مستغفرا ربه . أسأل الله لنا ولكم الغفران والقبول . وصلى الله على محمد وآله وسلم ارجو من الله ان ينفعك بما في هذا الموضوع ]]>