لا أظن ان الله خلق امرأة أحقد من أم جميل زوجة أبي لهب، أو أسخف من أبي لهب الذي هو عم الرسول صلى الله عليه وسلم. أما أبو لهب فرغم ان الرسول عندما جمع عشيرته وقال لهم: أرأيتم لو اخبرتكم ان خيلاً وراء هذا الوادي اكنتم تصدقونني؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً قط، فقال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قولوا لا إله إلا الله. رغم انهم صدقوه وكان من بينهم أبو لهب فإنه كان اول من وقف في وجهه وقال: تباً لك ألهذا جمعتنا؟ ثم ذهب يحرض الناس عليه في الداخل والخارج، فنزلت سورة المسد التي تفضحه وتفضح زوجته أم جميل قال تعالى: “تبت يدا ابي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى ناراً ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب، في جيدها حبل من مسد”. فلنقف إذن مع حمالة الحطب هذه قليلا، وقد كانت تسمى في قريش بأم جميل وهي في الواقع لم تكن جميلة لأنها كانت عوراء، وربما تعقدت هي لذلك فحقدت على اجمل خلق الله الذي يقول حسان في وصفه: وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء خلقت مبرّءاً من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء وأم جميل اسمها أروى بنت حرب بن أمية اخت ابي سفيان، غضبت عندما نزلت سورة المسد وازداد كرهها للرسول رغم ان ولديها عتبة وعتيبة تزوجا بنتي الرسول وهما ام كلثوم ورقية. خرجت ام جميل ذات يوم غاضبة حتى وصلت الى رسول الله وكان جالساً مع أبي بكر عند الكعبة، وكان في يدها حجر ارادت ان تضرب به الرسول صلى الله عليه وسلم فذهب الله ببصرها فلم تره وقالت لأبي بكر: أين صاحبك قد بلغني انه يهجوني، والله لو وجدته لضربته بهذا الحجر، ثم انصرفت فقال ابو بكر: يا رسول الله اما رأتك؟ قال لا، لقد اخذ الله بصرها عني. وأم جميل لم تكتف بهذا بل فعلت كما تفعل معظم النساء الامهات، فراحت تضغط على ولديها عتبة وعتيبة ليطلقا بنتي الرسول صلى الله عليه وسلم. يذكر الزمخشري في تفسيره الكشاف بأن أم جميل قالت لولديها: رأسي برأسيكما حرام ان لم تطلقا بنتي محمد، فلم يكن لهما إلا الرضوخ لها، فقاما بتطليق بنتي الرسول ام كلثوم ورقية، ولم يكتفيا بذلك بل قال عتبة: لأذهبن الى محمد وأوذيه فذهب اليه قبل خروجه الى الشام فقال: يا محمد أنا كافر بالنجم اذا هوى وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل في وجه الرسول ورد عليه ابنته وطلقها، فقال الرسول من شدة حزنه: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك، وكان أبو طالب عمه حاضراً فقال: ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة. ثم عاد عتبة الى أبي لهب وأخبره ثم خرجوا الى الشام فنزلوا منزلاً، فأشرف عليهم راهب من الدير وقال: ان هذه أرض مسبعة، فقال ابو لهب لأصحابه: اغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة فإني اخاف على ابني عتبة من دعوة محمد. فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم وأحدقوا بعتبة، فجاء السبع يتشمم وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله. أقول: ان المتأمل في قصة ام جميل يخرج بعبر وعظات كثيرة منها: 1 القرابة لا تنفع صاحبها ما لم تكن قرابة دين، بدليل ان القرآن خلد أبا لهب في النار وهو عم الرسول، وخلد ام جميل في النار وهي زوجة عمه وعتبة وعتيبة صهري رسول الله. 2 لا شيء أضر على الانسان من الحقد الدفين، فأم جميل آذت الرسول رغم انه زوّج ابنتيه لابنيها عتبة وعتيبة. 3 دعوة المظلوم مستجابة، فما بالك لو كان المظلوم سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم؟ 4 احد اسباب الطلاق في المجتمعات تدخل الامهات في شؤون اولادهن بعد الزواج، وقد رأينا ما فعلت ام جميل بولديها عتبة وعتيبة اللذين رضخا لطلبها.
