20 / ديسمبر/ 1999 م إلى جدّي العزيز .. إن هذا العالم أسوأ شيء قابلته على الإطلاق _ على افتراض أنني قابلت شيئاً سواه _.. يقسم لي أنه مكان لراشدين والبالغين* ويمنع اصطحاب المغفلين* أقلب ناظري فلا أجد أحد سوايّ في الحجرة معه* فأقسم أن العالم قد جنّ.. وأتشاءم لأمر كهذا* فإن فكرة إعالة عالم مختل عقلياً* هي فكرة مرعبة إلى حدٍ كبير .. أنا يا جدّي لا أمتلك حسنات تنير ليّ دربي * ولا حتى فانوس يعمل بالغاز * ولم أحافظ على علبة هندستي لأتمكن من قياس بُعد الأشياء السيئة عني وكم عدد السنتمترات التي يجب أن ابتعد عنها كي لا تصيبني * ولا في جيبي أصدقاء أوفياء * ولا جيران أو أقارب طيبين * وصاحب البقالة يخدعني ! كل ما أمتلكه أمّ أهديتني إياها _بعد الله_ * وربّما هذا هو سبب الفعلي وراء محبتي لك * رغم أني لم أرك إلا في صورة ممزقة الجوانب وقد ضاعت عندما كنت في التاسعة من عمري .. وما زال أبنائك كما عهدتهم * في كل منفى يهيمون ويبحثون عن منفى جديد * يوفر لهم حياة أفضل _أو هكذا يظنون_ * والوطن يا جدّي ما زال كما قيل لكم أنه لا يُباع ولكنا نراه يُشترى ! وأنت لم تعش في المنفى وحسب بل وجدت بين ترابه وطناً * ولكنني أتساءل أما زال قبرك كما هو ؟ أقصد مثلاً .. ألم يبنوا فوقه معسكراً للجنود أو ربّما حفرته القوى المعارضة لتجعل منه خندقاً أو أي شيء مشابه ! لا تحدق بالرسالة بهكذا طريقة * فهُناك أمور كثيرة تغيرت مُنذ رحيلك * وكأن المصائب كانت تخشى حضورك * واغتالتنا في غيابك ! فقد جعلنا صوت الرصاص ورائحة البارود * نهرع من منفانا ومنفاك إلى منفى لم يألفنا ولم نألفه * وقد خسرنا نصف رفقائنا في تلك الرحلة فلا غذاء ولا ماء * كان هُناك رصاص فقط * والكثير من الألغام * أشياء كثيرة سيئة حدثت * أنت تجهلها تماماً * ولا أريد أن أجعل الرسالة تكتظ بها كي لا تتحول إلى رسالة جنائزية! يُقال يا جدّي أن العالم سيكون أجمل مع بداية الألفية الثانية * وهذه الأقاويل منتشرة في ظل هذه الأيام * ونحن مقدمون عليها * أتوقع بأنه سيظهر جدّ مثلك تخشاه الخطوب وبذلك ستكف المصائب عن العبث بوجه العالم * وستحظى المنافي بهدوء تام * ولن تكون كفكيّ تمساح * تحطم عظام الهاربين التي تعاني من هشاشة العظام أصلاً .. فانتظر مني رسالة في يوم 1/1/2000م سأشرح لك ماهية تلك التغيرات التي حدثت * إنني مُتفائلة جدّاً وأتوقع أن الألفية الجديدة ستكون أجمل* أجمل جدّاً .. وإن لم تتغير الأمور كما أتوقع بشكل أفضل * فلن أرسل لك رسالة لأشرح ما حدث * فقط أنظر إلى إحصائيات الزوار لديكم ..! أتمنى أن ترسل لي تلغرافاً على نفس هذا العنوان لتطمئني عليك ! حفيدتك* .. *وجدت هذه الرسالة في بيت قصف يوم 1/1/2000م ومات جميع من فيه ! يتبع
... (1) لا تدعهم يكذبون عليك * لا تجعلهم يغتالون أحلامك حلماً وراء حلم * من يحدثك عن صدقه اعرف أنه كذاب * البائع الذي يتحدث عن الأمانة فليكن في علمك إنه يغش زبائنه في كل كيلو طحين .. لا تلتفت إليهم إن قالوا لك أن " بكرى أحلى " * فـ كل البكرات متشابه * وإن ادعوا غير ذلك * إن نادوك فلا تجب كي لا يطعنوك * كذّب الصديق كما تفعل مع العدو تماماً * ابصق الأخوة من فمك على قارعة الطريق أو الرصيف * لا يهم في أي مكان تفعل ذلك * المهم أن تتخلص منها * وأعلم أنه لا توجد سعادة تختلط بالحزن * فإمّا أن يأتي الحزن صافياً أو تأتيك السعادة صافية فالليل لا يختلط مع الصباح * ولا الحي يمشي مع الميت * وحتّى تكون سعيداً أفعل كل ما أقوله لك تماماً * فقط لا تصدق منهم أحدا* فكلهم يا عزيزي كاذبون ولو صدقوا ! (2) وهذه الأوجاع لا تنوي على الرحيل * رغم أني أحجز لها في كل يوم تذكرة سفر من الدرجة الأولى * إلا أنها لا تأتي في الوقت المُحدد لرحلة * وأظل أدفع قيمة التذاكر من ساعات عمري * ولا ترحل ! وعندما أحدثها بشأن ذلك * تتحجج كما يفعل البشر * وأردد كما أفعل مع البشر : فهمت .. (3) حتّى أكواب القهوة تبرد قبل أن أرتشف منها رشفة * وكأن بينها وبين برودة الوحدة اتفاقية عمل طويلة الأجل * لا تودّ أن تنتهي * والوحدة كسيبريا لا ترتدي بزه صوفيه لتدفئة بائسة مثلي .. وأكتفي بجلدي لتدفئة * وأدعو أن لا ينتزع * ليصبح حذاء لزوجة رجل أعمال شهير ! (4) العالم بائس* وكأن دماء المظلومين اتحدت لتصبح روحاً واحدة * تلعب بالكرة الأرضية في نادي غولف كبير * أتظنني مجنونة عندما أتفوه بأمر كهذا * لست أدري * ولكن لا أحد يسكن في البيوت التي تمت فيها جرائم قتل * فالأرواح تظل تعبث في أرجاء المنزل وتخيف ساكنيه * وهذا ما يحدث تماماً في هذه الأرض * ونحن ندفع الثمن * والطريقة الدفع متيسرة للجميع * بالأقساط أو دفعة واحدة ! كيفما استطعت ستدفع * لن يرحل أحدهم دون أن يدفع صدقني ! *مما راق لي*