مصيبة سيول جدة - لما طغا الماء

الموضوع في 'صحراء الإسلام' بواسطة amar1, بتاريخ ‏5 ديسمبر 2009.

[ مشاركة هذه الصفحة ]

  1. فما حدث ابتلاء ابتلى الله به عباده المؤمنين ليرفع درجاتهم ويقوي إيمانهم {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.

    {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.

    وفيما حدث تذكير لأهل المعاصي والذنوب بالتوبة والإنابة إلى الله {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}.

    قال بعض السلف : " لا ينزل بلاء إلا بذنب ، ولا يكشف إلا بتوبة ".

    فالواجب في مثل هذه الحال التوبة وكثرة الاستغفار وأخذ العظة والعبرة.

    قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " وإن من علامات قسوة القلوب وطمسها والعياذ بالله، أن يسمع الناس قوارع الأحداث، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو عقلت، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم مغترين بإمهال الله لهم، عاكفين على اتباع شهواتهم، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد ". فتاوى ابن باز (9/160)

    فالواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا العظة والعبرة مما حصل، وأن يتوبوا إلى الله وينيبوا إليه ويحذروا من أسباب غضبه ونقمته، والله جل وعلا يقول: { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }.

    فالمصائب منها تكفير ، ومنها تذكير ، ومنها عقوبة .

    وقد تجتمع هذه الثلاث في مصيبة واحدة فتكون لبعض الناس تكفيرا لذنوبهم ورفعة لدرجاتهم وتكون لآخرين غافلين تنبيها وتذكيرا، ولنوع ثالث عقوبة على معصية مستعلنة أو خفية وقعوا فيها وتكون تمحيصا وكشفا لحال من يتكلم في هذه الأحداث

    سؤال الله حسن الخاتمة .

    فقد نقلت الأخبار قصصا لأناس قبض الله أرواحهم في مساجد أو بعد خروجهم منها وقد جاء السيل وقت صلاة الظهر وبعضهم صائمون لله تعالى، يتقربون إليه في أيام العشر الفاضلة، فجمع الله لهم من المبشرات: الغرق الذي هو شهادة ، والموت على عبادة، وبعد أداء فريضة، فما أعظم ما حصّلوه، اللهم فارزقنا حسن الخاتمة .

    الناس معادن

    إن من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام قوله: (النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ...). رواه البخاري (3494) ومسلم (2638) واللفظ له.

    فالمعادن تشتمل على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس، وكذلك الناس مختلفون في الشرف وكرم النفس والسلوك.

    فمن الناس من معدنه نفيس كالذهب، ومن الناس من معدنه خسيس كالحديد.

    وقد كشفت هذه المحنة حقائقَ كثيرٍ من الناس ومعادنِهم وأخلاقهم ، فمن الناس من لا يُعرف معدنه إلا في المِحَن.

    قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: " الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم ". شعب الإيمان (7 /219)

    فظهر المؤمنون الذين يهبون لنجدة إخوانهم ومساعدتهم متمثلين قوله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )..

    وقد سمعنا وقرأنا الكثير من قصص الشجاعة والبطولة والتضحية .

    فهذا شاب لا يعرف السباحة ولكنه أمام مشهد غرق رجل وزوجته وطفله لم يتوان عن نجدتهم، فقفز إلى الوادي وأنقذ الطفل ثم المرأة والرجل.. فقَبَّلَ الغريقُ قدمَه قائلاً: " أنا مدين لك طوال العمر".

    وشكّل بعض الشباب والرجال فرقاً لإنقاذ العالقين داخل سيارتهم وسط السيول خصوصا الأطفال والنساء. وظهرت آثار الشباب الصالحين وشهامة أهل النجدات بجلاء.

    قال أحدهم: تلقيت اتصالا أن والدي وبعض المسنين وعددهم (40) شخصا يصلون في المسجد وغمرته المياه، فتوجهنا سباحة إلى المسجد ومعنا حوالي (10) من شباب الحي منهم إمام المسجد وأنقذنا المسنين المحتجزين في المسجد.

    واستجمع عشرات المتطوعين كل قواهم، ليلا ونهارا، للإسهام في واجب البحث عن المفقودين بلا كلل أو تعب وسط الحطام والمياه الراكدة.

    وهب الكرماء وأصحاب العطاء لاستقبال إخوانهم المنكوبين ففتحوا بيوتهم وبسطوا موائدهم وقدموا معوناتهم .

    وأما المنافقون فقاموا ينسبون الحدث إلى الطبيعة ولا يذكرون الله إلا قليلا وينكرون القاعدة الشرعية (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) ويلمزون أهل الإيمان .

    الاستغلال البشع

    وفي مقابل أهل النجدة والشهامة ظهر أصحاب النفوس المريضة والجشعة الذين استغلوا الحدث ورأوه فرصة للكسب السريع ، ومن صور ذلك :

    *الاستيلاء على الممتلكات ، وسرقة ونهب ما تمكنوا من نهبه داخل المركبات المجروفة مستغلين انشغال أصحاب تلك الممتلكات بأنفسهم وغيابهم عنها ، بل بلغت البشاعة أن تسرق أموال الموتى داخل سياراتهم وسرقة بيوت المصابين والجرحى وهم لا يستطيعون دفع هؤلاء المعتدين ، ثم تباع هذه المسروقات بثمن بخس .

    * رفع أسعار السلع والخدمات : مغاسل السيارات .. سيارات شفط المياه .. الرافعات وسيارات السحب.. الشقق المفروشة !. وبعض شركات النظافة رفعت أسعارها أضعافا .

    ذكرت إحدى الناجيات أنها استنجدت هي وأهلها بصاحب سيارة كبيرة فاشترط عليهم دفع مبلغ 500 ريال مقابل إنقاذهم إلى موقع آخر لا تتعدى مسافته عشرات الأمتار.

    * وبعض الناس مشغول بتصوير المنكوبين بكاميرا جواله وهم يستغيثون ، ومن المتفرجين من ترك الإنقاذ وهو يقدر عليه وأما من لا يقدر فغفر الله له.

    كانت طفلة تبكي بأعلى صوتها، وتنادي أمها وأباها، وأمواج السيل تلاطمها يمنة ويسرة ، وفي كل مرة تحاول الإمساك بجثة تمر بجانبها لعلها تتشبث بأمل ينقذ حياتها.. والناس ينظرون إليها لا يحركون ساكنا !! ولا زال صراخها في آذانهم إلى أن اختفى صوتها فجأة .

    يارب أم وطفل حيل بينهما ... كما تفرق أرواح وأبدان

    بين قدر الله والإهمال البشري.

    لاشك أن الكارثة الكبرى التي حصلت إنما هي بقضاء الله وقدره، ولكن هذا لا ينفي أن إهمال بعض البشر وتفريطهم وجشعهم وإساءتهم سبب من أسباب الكارثة يلام فيه من أساء ويعاقب فيه من ظلم ، ومن ذلك ترخيص المخططات السكنية في مجاري السيول والسكن في بطون الأودية واستخراج أذونات لبيع الأراضي في تلك المناطق بالرشوة والواسطة وسوء التخطيط والتأخر في إنجاز مشاريع تصريف المياه، والغش في بناء المساكن وعدم تأمينها بما يحصنها من السيول ونحو ذلك فالتسليم لقضاء الله لا ينافي معاقبة المسيئين والمتسببين في هذه الكارثة.

    ينزل الله المعونة على قدر المؤونة

    أحدهم لما حاصر السيل منزله شمر ثوبه فكان يدخل إلى بيته ويحمل اثنين من أولاده على ظهره ويصعد بهم السطح ثم ينزل ليحمل آخرين حتى صعد بهم سطح منزله.

    ويقول: كان بداخلي رجل قوي لم أكن اعرف من هو، ولم يظهر إلا بعد أن لامست خط الخوف من فقد أولادي وزوجتي المسكينة.

    وفي الحديث: (إنَّ الْمَعُونَةَ تَأْتِي مِنْ اللَّهِ لِلْعَبدِ عَلَى قَدْرِ الْمَؤونَةِ ، وَإِنَّ الصَّبْرَ يَأْتِي مِنْ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ الْبَلَاءِ) رواه البيهقي في شعب الإيمان (7 / 191) وحسنه الألباني في الصحيحة (4/225).

    تمحيص وتذكير

    في المحن والكوارث تمحيص للقلوب وتنبيهٌ لها من غفلتها ، فلولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا ، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يبتليه بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء ، وحفظا لصحة عبوديته ، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحان من يرحم ببلائه ، ويبتلي بنعمائه .

    وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "مصيبة تقبل بها على الله ، خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله".

    وقال الحسن البصري رحمه الله : "لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك ، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك ". أي : هلاكك.

    وقال الفضل بن سهل: "إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها ، فهي تمحيص للذنوب، وتعرّض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة ، وتذكير بالنعمة في حال الصحة ، واستدعاء للتوبة، وحضّ على الصدقة".

    التوبة والاستغفار والبعد عن المعاصي ، فقد تجر المعصية من الشخص الواحد مصائب عامة لا تختص به وحده .

    الحرص على عدم إيذاء المصابين : فلا يتسبب الإنسان بجمع مصيبتين على هؤلاء، كمن يلوم المصابين ويوبخهم بأنهم أخطأوا فسكنوا في هذا المكان، أو يجزم بأن هذه المصيبة أصابتهم بسبب ذنوبهم وقد يكون فيهم من الصالحين وغير المكلفين . إن نفوس الناس تحتاج إلى مراعاة ، وليت شعري ما ذا يجول في نفوس أولئك الأقارب الذين يجتمعون يوميا عند الحفر الكبيرة والمستنقعات العميقة يرقبون جثة تخرج لعزيز يبحثون عنه.

    تخيل نفسك داخل الحدث.

    العاقل من يأخذ العظة والعبرة مما يقع على غيره فينظر في المصائب ويتخيل نفسه فيها فيحمد ربه على السلامة ويحصل له ما يعينه على حسن الاستعداد والتهيؤ النفسي والمادي، فإذا وقعت عليه مصيبة مشابهة أمكنه الاستفادة مما تهيأ وكان له خبرة في التعامل معها ، .

    ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا

    ولا شك أن أجر إنقاذ المسلم من الغرق عظيم ، فهو إحياء للنفس البشرية من الهلاك كما قال تعالى : {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}.

    (ومن أحياها) أي اهتم باستنقاذها والذب عنها من الهلاك فكأنما أحيى الناس جميعا.

    إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ :

    رجل من باكستان يبلغ من العمر 27 عاما أنقذ 14 نفسا واحدا تلو الآخر حتى أصيب بعمود في ساقه، فأدركه الغرق جراء هذه الإصابة .

    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ ).

    قِيلَ : وَمَا عَسَلُهُ ؟

    قَالَ : ( يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ) أحمد (17330) صححه الألباني.

    فشبه ما رزقه الله من العمل الصالح قبل الموت بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء.

    وبعض العمال الذين كانوا مصدرا للسخرية والاحتقار والتندر عند بعض الناس -هداهم الله- كانوا سببا في إنقاذ عدد من النفوس، لاسيما بعض العمال الذين تكثر في بلادهم السيول والفيضانات

    الكارثة تكشف.

    · الكارثة كشفت قلة أمانة بعض المقاولين ، وضعف خبرة بعض المهندسين .

    · والرخص المزيفة لسلامة المباني وسلامة تجهيزاتها المستخرجة بالمعارف والواسطة السيئة ....

    · وعورات الأنظمة البشرية ، وضعف الإمكانات المادية وأن قوة البشر مهما بلغت فلا تقف أمام قوة الله

    تقديم ما يمكن من صور المواساة والتعزية والتصبير .

    وهذا أمر متيسر عبر وسائل الاتصال والتقنية الحديثة من هواتف وشبكة معلوماتية، ومن هذه الإعانات عن بعد :

    *فتح منتديات مخصصة للمشاركة بالأفكار والمقترحات والتجارب لتجاوز هذه الأزمة .

    *مشاركة أصحاب الخبرة لاسيما أصحاب التخصصات العلمية ذات الصلة فيما هو موجود من منتديات أو مجموعات على المواقع الشعبية كالفيس بوك وغيره .

    *نقل بعض التجارب الناجحة في كيفية التعامل مع أخطار السيول، وترجمة بعض ما هو موجود بلغات أجنبية من هذه التوجيهات .

    *إعداد برامج تأهيل نفسية للمصابين تجمع بين التوجيهات الشرعية والتجارب الإنسانية في هذا المجال، وابتكار أفكار للمواساة، وتتميم بعض الأفكار وتسديدها.

    المزيد
    [​IMG]
    ]]>
     
  2. جاري تحميل الصفحة...

    مواضيع مشابهة في منتدى التاريخ
    دعاء المصيبة .. ينزل الله ملك من السماء ليغيثك .. صارت معي.. صحراء الإسلام ‏22 يوليو 2012
    عندما يعانق الصبر جمر المصيبة. صحراء الإسلام ‏23 يوليو 2009