أسرار الصلاة و فوائدها

الموضوع في 'صحراء الإسلام' بواسطة Ṁя.ρǾят, بتاريخ ‏11 يوليو 2008.

[ مشاركة هذه الصفحة ]

  1. بسم الله الرحمن الرحيم

    سرُّ الصلاة و روحها و لبُّها ، هو إقبال العبد على الله بكليّته فيها ، فكما أنه لا ينبغي أن يصرف وجهه عن القبلة إلى غيرها فيها ، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف قلبه عن ربِّه إلى غيره فيها.
    بل يجعل الكعبة ـ التي هي بيت الله ـ قبلة وجهه و بدنه ، و رب البيت تبارك و تعالى قبلة قلبه و روحه ، و على حسب إقبال العبد على الله في صلاته ، يكون إقبال الله عليه ، و إذا أعرضَ أعرض الله عنه ، كما تدين تُدان.

    للإقبال على الله في الصلاة ثلاث منازل

    و الإقبال في الصلاة على ثلاثة منازل:
    *إقبال العبد على قلبه فيحفظه و يصلحه من أمراض الشهوات و الوساوس ، و الخطرات المُبطلة لثواب صلاته أو المنقصة لها.
    * و الثاني : إقباله على الله بمراقبته فيها حتى يعبده كانه يراه.
    *و الثالث : إقباله على معاني كلام الله ، و تفاصيله و عبودية الصلاة ليعطيها حقها من الخشوع و الطمأنينة و غير ذلك.
    فباستكمال هذه المراتب الثلاث يكون قد أقام الصلاة حقاً ، و يكون إقبال الله على المصلي بحسب ذلك.

    كيف يكون الإقبال في كل جزء من أجزاء الصلاة

    فإذا انتصب العبد قائماً بين يديه ، فإقباله على قيُّومية الله و عظمته فلا يتفلت يمنة و لا يسرة.
    و إذا كبَّر الله تعالى كان إقباله على كبريائه و إجلاله و عظمته.
    و كان إقباله على الله في استفتاحه على تسبيحه و الثناء عليه و على سُبحات وجهه ، و تنزيهه عمَّا لا يليق به ، و يثني عليه بأوصافه و كماله.
    فإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ، كان إقباله على ركنه الشديد ، و سلطانه و انتصاره لعبده ، و منعه له منه و حفظه من عدوه.
    و إذا تلى كلامه كان إقباله على معرفته في كلامه كأنه يراه و يشاهده في كلامه كما قال بعض السلف : لقد تجلّي الله لعباده في كلامه.
    و الناس في ذلك على أقسام و لهم في ذلك مشارب ، و أذواق فمنهم البصير ، و الأعور ، و الأعمى ، و الأصم ، و الأعمش ، و غير ذلك ، في حال التلاوة و الصلاة ، فهو في هذه الحال ينبغي له أن يكون مقبلاً على ذاته و صفاته و أفعاله و أمره و نهيه و أحكامه و أسمائه.
    و إذا ركع كان إقباله على عظمة ربه ، و إجلاله و عزه و كبرسائه ، و لهذا شرع له في ركوعه أن يقول : " سبحان ربي العظيم " .
    فإذا رفع رأسه من الركوع كان إقباله على حمد ربه و الثناء عليه و تمجيده و عبوديته له و تفرده بالعطاء و المنع.
    فإذا سجد ، كان إقباله على قربه ، و الدنو منه ، و الخضوع له و التذلل له ، و الافتقار إليه و الانكسار بين يديه ، و التملق له.
    فإذا رفع رأسه من السجود جثى على ركبتيه ، و كان إقباله على غنائه وجوده ، و كرمه و شدة حاجته إليهنّ ، و تضرعه بين يديه و الانكسار ؛ أن يغفر له و يرحمه ، و يعافيه و يهديه و يرزقه.
    فإذا جلس في التشهد فله حال آخر ، و إقبال آخر يشبه حال الحاج في طواف الوداع ، و استشعر قلبه الانصراف من بين يدي ربه إلى أشغال الدنيا و العلائق و الشواغل التي قطعه عنها الوقوف بين يدي ربه و قد ذاق قلبه التألم و العذاب بها قبل دخوله في الصلاة ، فباشر قلبه روح القرب ، و نعيم الإقبال على الله تعالى ، و عافيته منها و انقطاعها عنه مدة الصلاة ، ثم استشعر قلبه عوده إليها بخروجه من حمى الصلاة ، فهو يحمل همَّ انقضاء الصلاة و فراغه منها و يقول : ليتها اتصلت بيوم اللقاء.
    و يعلم أنه ينصرف من مناجاة مَن كلّ السعادة في مناجته ، إلى مناجاة من كان الأذى و الهم و الغم و النكد في مناجاته ، و لا يشعر بهذا و هذا إلا من قلبه حي معمور بذكر الله و محبته ، و الأنس به ، و من هو عالم بما في مناجاة الخلق و رؤيتهم ، و مخالطتهم من الأذى و النكد ، و ضيق الصدر و ظلمة القلب ، و فوات الحسنات ، و اكتساب السيئات ، و تشتيت الذهن عن مناجاة الله تعالى عز و جل .

    الكلام على التسليم

    و لما كان العبد بين أمرين من ربه عز و جل :
    أحدهما : حكم الرب عليه في أحواله كلها ظاهرا و باطنا ، و اقتضاؤه من القيام بعبودية حكمه ، فإن لكلّ حكم عبودية تخصه ، أعني الحكم الكوني القدري.
    و الثاني : فعل ، يفعله العبد عبودية لربه ، و هو موجب حكمه الديني الأمري.
    و كلا الأمرين يوجبان بتسليم النفس إلى الله سبحانه ، و لهذا اشتق له اسم الإسلام من التسليم ، فإنه لما سلّم لحكم ربه الديني الأمري ، و لحكمه الكوني القدري ، بقيامه بعبودية ربه فيه لا باسترساله معه في الهوى ، و الشهوات ، و المعاصي ، و يقول : قدَّر عليّ استحق اسم الإسلام فقيل له : مسلم.

    الشروع في بيان ثمرات الخشوع

    و لما اطمأن قلبه بذكر الله ، و كلامه ، و محبته و عبوديته سكن إلى ربه ، و قرب منه ، و قرَّت به عينه فنال الأمان بإيمانه و نال السعادة بإحسانه ، و كان قيامه بهذين الأمرين أمراً ضرورياً اه لا حياة له ، و لا فلاح و لا سعادة إلا به .
    و لما كان ما بُلي به من النفس الأمارة ، و الهوى المقتضي لمرادها و الطباع المطالبة ، و الشيطان المغوي ، يقتضون منه إضاعة حظه من ذلك ، أو نقصانه ، اقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم أن شَرَعَ له الصلاة مُخلِفة عليه ما ضاع عليه من ذلك ، رادَّة عليه ما ذهب منه ، مجددة له ما ذهب من عزمه و ما فقده ، و ما أخلِقَ من إيمانه ، و جعل بين كل صلاتين برزخا من الزمان حكمة و رحمة ، ليُجمّ نفسه ، و يمحو بها ما يكتسبه من الدرن ، و جعل صورتها على صورة أفعاله ، خشوعاً و خضوعاً و انقياداً و تسليماً و أعطى كل جارحة من جوارحه حظَّها من العبودية ، و جعل ثمرتها و روحها إقباله على ربه فيها بكليته ، و جعل ثوابها و محلها الدخول عليه تبارك و تعالى ، و التزين للعرض عليه تذكيراً بالعرض الأكبر عليه يوم القيامة.

    لكل شيء ثمرة و ثمرة الصلاة الإقبال على الله

    و كما أن الصوم ثمرته تطهير النفس ، و ثمرة الزكاة تطهير المال ، و ثمرة الحج وجوب المغفرة ، و ثمرة الجهاد تسليم النفس إليه ، التي اشتراها سبحانه من العباد ، و جعل الجنة ثمنها ؛ فالصلاة ثمرتها الإقبال على الله ، و إقبال الله سبحانه على العبد ، و في الإقبال على الله في الصلاة جميع ما ذكر من ثمرات الأعمال و جميع ثمرات الأعمال في الإقبال على الله فيها.
    و لهذا لم يقل النبي صلى الله عليه و سلم : جعلت قرة عيني في الصوم ، و لا في الحج و العمرة ، و لا في شيء من هذه الأعمال و إنما قال : " و جعلت قرة عيني في الصلاة ".
    و تأمل قوله : " و جعلت قرة عيني في الصلاة " و لم يقل : " بالصلاة " ، إعلاماً منه بأن عينه لا تقر إلا بدخوله كما تقر عين المحب بملابسته لمحبوبه و تقر عين الخائف بدخول في محل أنسه و أمنه ، فقرة العين بالدخول في الشيء أم و أكمل مِت قرة العين به قبل الدخول فيه ، و لما جاء إلى راحة القلب من تعبه و نصبه قال : " يا بلال أرحنا بالصلاة ".

    لماذا الراحة بالصلاة ؟

    أي أقمها لنستريح بها من مقاساة الشواغل كما يستريح التعبان إذا وصل إلى مأمنه و منزله و قرَّ فيه ، و سكن و فارق ما كان فيه من التعب و النصب.
    و تامل كيف قال : " أرحنا بالصّلاة " و لم يقل : " أرحنا منها " ، كما يقوله المتكلف الكاره لها ، الذي لا يصليها إلا على إغماض و تكلف ، فهو في عذاب ما دام فيها ، فإذا خرج منها وجد راحة قلبه و نفسه ؛ و ذلك أنَّ قلبه ممتلئ بغيره ، و الصلاة قاطعة له عن أشغاله و محبوباته الدنيوية ، فهو معذَّب بها حتى يخرج منها ، و ذلك ظاهر في أحواله فيها ، من نقرها ، و التفات قلبه إلى غير ربه ، و ترك الطمأنينة و الخشوع فيها ، و لكن قد عَلِمَ أنَّه لا بدّ له من أدائها ، فهو يؤديها على أنقص الوجوه ، قائل بلسانه ما ليس في قلبه و يقول بلسان قلبه حتى نصلي فنستريح من الصلاة ، لا بها.
    فهذا لونٌ و ذاك لونٌ آخر .
    ففرق بين مَن كانت الصلاة لجوارحه قيداً ثقيلاً ، و لقلبه سجناً ضيقا حرجاً ، و لنفسه عائقا ، و بين مَن كانت الصلاة لقلبه نعيماً ، و لعينه قرة و لجوارحه راحة ، و لنفسه بستاناً و لذة.
    فالأول : الصلاة سجن لنفسه ، و تقييد لجوارحه عن التورط في مساقط الهلكات ، و قد ينال بها التكفير و الثواب ، أو ينال من الرحمة بحسب عبوديته لله تعالى فيها ، و قد يعاقب على ما نقص منها.
    و القسم الآخر : الصلاة بستان له ، يجد فيها راحة قلبه ، و قرّة عينه ، و لذَّة نفسه ، و راحة جوارحه ، و رياض روحه ، فهو فيها في نعيم يتفكَّه ، و في نعيم يتقلَّب يوجب له القرب الخاص و الدنو ، و المنزلة العالية من الله عزَّ و جل ، و يشارك الأولين في ثوابهم ، بل يختص بأعلاه ، و ينفرد دونهم بعلو المنزلة و القربة ، التي هي قدر زائد على مجرد الثواب.

    من فوائد الصلاة القرب من الله

    و لهذا تَعِدُ الملوك من أرضاهم بالأجر و التقريب ، كما قال السحرة لفرعون : { إنَّ لَنَا لأَجراً إن كُنَّا نحنُ الغالبينَ} [الشعراء:41] ، { قالَ نَعم و إنَّكم لَمنَ المُقرَّبين} [الأعراف : 114].
    فوعدهم بالأجر و القرب ، و هو علو المنزلة عنده.
    فالأول : مَثَله مثل عبد دخل الدار ، دار الملك ، و لكن حيل بينه و بين رب الدار بسترٍ و حجاب ، فهو محجوب من وراء الستر فلذلك لم تقر عينه بالنظر إلى صاحب الدار و النظر إليه ؛ لأنه محجوب بالشهوات ، و غيوم الهوى و دخان النَفس ، و بخار الأماني ، فالقلب منه بذلك و بغيره عليل ، و النفس مُكبَّة على ما نهواه ، طالبة لحظها العاجل.
    فلهذا لا يريد أحد من هؤلاء الصلاة إلا على إغماض ، و ليس له فيها راحة ، و لا رغبة و لا رهبة فهو في عذاب حتى يخرج منها إلى ما فيه قرة عينه من هواه و دنياه.
    و القسم الآخر :مَثَلُهُ كمثلِ رَجُلٍ دخَل دار الملك ، و رفع الستر بينه وبينه ، فقرَّت عينه بالنظر إلى الملك ، بقيامه في خدمته و طاعته ، و قد أتحفه الملك بأنواع التحف ، و أدناه و قربه ، فهو لا يحب الانصراف من بين يديه ، لما يجده من لذَّة القرب و قرة العين ، و إقبال الملك عليه ، و لذة مناجاة الملك ، و طيب كلامه ، و تذلُّله بين يديه ، فهو في مزيد مناجاة ، و التحف وافدة عليه مِن كلِّ جهة ، و مكتن و قد اطمأنت نفسه ، و خشع قلبه لربه و جوارحه ، فهو في سرورٍ و راحةٍ يعبد الله ، كأنه يراه ، و تجلَّى له في كلامه ، فأشد شيء عليه انصرافه مِن بين يديه ، و الله الموفق المُرشد المعين ، فهذه إشارة و نبذة يسيرة في ذوق الصلاة ، و سرّ من أسرارها و تجلٍّ من تجلياتها.


    :fighting0021: :evilgrin0007: :fighting0017:

    :evilgrin0031: :evilgrin0031:
     
  2. جاري تحميل الصفحة...

    مواضيع مشابهة في منتدى التاريخ
    أسرار آيه الكـــــرسي صحراء الإسلام ‏9 يوليو 2010
    أسرار السعادة صحراء الإسلام ‏13 نوفمبر 2008
    أسرار استجابة الدعاء صحراء الإسلام ‏19 أكتوبر 2008
    من فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم صحراء الإسلام ‏12 أغسطس 2017
    ادعية الانبياء عليهم الصلاة و السلام صحراء الإسلام ‏8 يونيو 2017
    سجل&دخولك للمنتدى&بالصلاة&على محمد وال محمد&^_^ صحراء الإسلام ‏18 نوفمبر 2012

  3. مرحبـــــــــهــ


    مشكــــــــــوور عــ الموضوعــ الفلهـــ

    فعـــلاً جميلـــ

    تسلمــ

    و ننتضر ك
    لــ جديدكــ

    تحياتيــ

    آنــــــــــد سيـــــــــا
    ......
     
  4. موضوع في غايه الروووعه
    مشكور اخي على الموضوع الجميل
    سلمت يمناك وتستاهل التقييم
    وننتظر جديد ابداعك
    ودمت مبدعنا
     
  5. شكراً على المرور يا شموسة و يا نبع الحياة
     
  6. مووووووووووووووووووووووووووضوووووووووووووووووووووووووووووووووع
    في غاااااااااااااااايه الجماااااااااااااااااااااااااال يسلموووووووووووووووووووووووووووووو
     
  7. يعطيك العافيه على

    الموضوع الرائع
     
  8. الله يسلمك منورة الموضوع
     
  9. الله يعافيك منور حبيبي
     
  10. يسلمو وووووووووووووو على الموضوع
     
  11. الله يسلمك اختي منورة الموضوع
     
  12. يسلموووووووووووووووووووووووووووووو على الموضوع
     
  13. مشكوووووووووووووووووور على جهدك المبذوووووووووول
    ولك مني تـــــــــــــــــــقــــــــــــــــــــيــــــيــــــــــــم
    *****